بطلة حكايتنا هى سيدة من أسرة لا تستطيع أن تنسبها لأسر عريقة شهيرة مثل الأباظية أو سراج الدين ولكنها أتت من أسرة متوسطة عادية أو أقل، ولكن بعض أفراد أسرتها كانوا ممن بدأ ثراؤهم مرتبطاً بعصر مبارك، وفى مصر المثل يقول القرعة تتباهى بشعر بنت أختها وهو مثل شديد الدلالة على العلاقات فى هذا البلد وكيف تتشابك فيكفيك أحيانا أن يكون لك قريب غنى ليتعامل معك الناس وكأنك أنت الغنى ونفس الأمر فى حال السلطة، فإذا كان لك قريب صاحب سلطة فتأكد أنك صرت بالتبعية صاحب سلطة، ولو لحين.
بطلة حكايتنا سأشير إليها بجيم، ففى العشرين من عمرها التقت بشاب وقعت فى غرامه وتزوجته وأنجبت منه البنت والولد ولكن الحكاية معه لم تنتهِ بالتبات والنبات بعد أن خلفوا صبيان وبنات وتوتة توتة خلصت الحدوتة، فقد خلصت الحدوتة فعلاً ولكن بالطلاق، فعادت الشابة وهى فى أوائل العقد الثالث إلى بيت أسرتها وفى يدها طفل وطفلة، وكانت فى هذه الأثناء أسرتها عن طريق النسب تزداد قوة سياسية والقوة السياسية فى مصر يأتى فى إثرها الثراء، فلا تعرف أيهما يطارد الآخر، هل السلطة هى التى تطارد المال أم المال هو الذى يطارد السلطة.
وربما كان هذا هو السبب فى أن جيم لم تتوقف كثيراً أمام مأساة طلاقها فالمال والسلطة تقويان القلب حتى فى لحظات الانكسار، راحت جيم ترتاد المجتمعات المخملية وصارت صورها فى المجلات التى تنقل حياة مشاهير المجتمع والتى تصدر بالعربية والإنجليزية شىء معتاد.
وصارت حياة جيم مليئة بالنشاط بين أندية الليونز وبعض أعمالها الخيرية ونادى الجزيرة ومارينا صيفاً وسويسرا شتاءً للتزحلق على الجليد وحفلات خاصة وعامة ولكنها أبداً لم تنسى أمومتها وطفليها. وفى أحد الحفلات التى كانت تحضرها التقت برجل يكبرها بعشر أعوام سيما وقيمة ووظيفة ميرى جامدة جداً، فقد كان يعمل فى جهاز هام جدا فى الدولة قادر على أن يعرف كل كبيرة وصغيرة عن أى إنسان.
وقعت جيم فى هوى البطل المهم ولكن رغم أهميته كما بدا إلا أن وظيفته فى الجهة السيادية لم تكن تؤمن له حياة رغدة مالياً ولكنها تؤمن له سلطة, وبالتأكيد كون الحبيب كان صاحب تجربة فى الزواج مثلها أثمرت عن طفل صغير وانتهت كما انتهت حكايتها بالطلاق لم تكن مشكلة، إذا فالظروف مواتية للارتباط حتى لو كان العريس المرتقب رغم أهمية مهنته لا يملك من حطام الدنيا إلا سيارة فيات ومرتب ينتهى قبل نهاية الشهر بأسابيع ولا يملك شقة فهو يعيش مع أسرته بعد أن كان يعيش لدى أسرة الزوجة الأولى.
وكان الزواج بين جيم والرجل المهم هو الصعود الثانى أو الثالث لأسرتيهما فقد أضيف لمالها وسلطانها بالقرابة سلطان وسلطة أخرى بزواج مباشر من رجل مرتبط بجهاز مهم أما هو فقد أضاف لنفسه مال من خلال الزوجة وسلطة مضافة من خلال الأنساب.
وهكذا كانت الأمور تسير فى ذلك الزمن ومازالت فنظرة على عامود طويل لنعى فى جريدة الأهرام تستطيع أن تعرف منه خارطة طريق الثروة والسلطة.
وللحق كانت جيم كريمة فى علاقتها مع الزوج الجديد فكما سبق وذكرت كانت كأم لطفلين تشعر بالمسئولية تجاههما مهما تعددت اهتمامتها وبهذه الصفة فقد رحبت بأن تضم أبن الزوج لأولادها وتربيه كابن آخر.
ولا شىء فى الحكاية حتى الآن يبدو غريباً بل قد تظن أنها حكاية ستنتهى أو يجب أن تنتهى بالتبات والنبات ويمكن كمان يخلفوا صبيان وبنات، ولكن من قال أن الحياة تسير على نهج مرسوم كما نتوقعه أو حتى يتوقعه أصحابه؟!
اجتمع المال والعلاقات من خلال البطلة, مع السلطة وعلاقاتها من خلال البطل، واستطاعوا فى سنوات التسعينات أن يكونوا ثروة طائلة من عقارات وشركات وسيارات ولم يكن الحذر مطلوب بالنسبة للبطل فمهنته الحساسة تسمح بالكثير لأصحابها، ولم تكن الظروف فى البلد تسأل من أين لك هذا إلا لو تعارضت مع أحد أقوى منك وهو ما لم يحدث فى حالة أبطال حكايتنا، فهى كانت تعرف بحكم عائلتها خريطة القوة الاجتماعية وهو من خلال عمله يعرف خريطة القوة السياسية فلا يتنافسون مع هذه ولا تلك حتى تسير مركبهم بلا عوائق.
كانت الأموال تتراكم فى حسابات البنوك والحياة تبدو مقبلة إلا من منغص لم يكن سهلاً، وهو أن أبن الزوج بعد أن صار شاباً ارتبط بأصدقاء سوء جروه إلى عالم الإدمان.
وحاولت جيم أن تعالج الأمر ولكنها فشلت ولم تكن أموال الأب لتستطيع أن تبعد الابن عن الإدمان بل كانت سببا فى أن تسهل عليه كل السبل إلى هذا الطريق، إضافة للسلطة التى كانت تحميه دائماً من القبض عليه فى كثير من الأحيان فى بلد تسمح فيه جملة سحرية وهى "أنت ماتعرفش أنا أبقى ابن مين" حتى لو كنت متلبساً بأعتى الجرائم فهذه الجملة كفيلة بأن تخرجك من أقسى الجرائم.
فكأن السلطان والمال وفساد المجتمع كله سعى لأن يفسد الواد الحيلة والحياة التى بدت بلا منغصات.
وفى صباح يوم غير مشمس من أيام يناير 2011 اندلعت أحداث ثورة المصريين وتداخلت أحداثها فى حياة أبطال حكايتنا ,فقد تم القبض على بعض من أفراد أسرة الزوجة الذين كانوا نافذين وانقلب الجهاز السيادى الذى كان يعمل فيه الزوج رأساً على عقب ولأنهم قديماً قالوا المصائب لا تأتى فرادى، فقد فاجأ الزوج جيم بأنه طلقها غيابياً دون سبب واضح مفهوم، إلا أنه قال لها إنه سيطلقها حتى لا ترث ماله، وقع الخبر كالصاعقة على الزوجة فأى مال هذا الذى يتحدث عنه وهى السبب فيه وأى جنون أصابه راحت تتساءل، ولأن الجنون معدى كما الحزن فقد راحت هى الأخرى تهدده بأنها ستفضح كل تفاصيل صفقاته المشبوهة وغير المشبوهة، خاصة أن مصر كانت ومازالت تريد أن تسمع وتصدق أى حكاية عن رجالات الأمس وأصحاب سلطتها المخلوعين.
ويبدو أن تهديدات السيدة جيم للزوج قد جعلته يعيد التفكير فيما أعلن فعاد ليطيب خاطرها وقال لها أن الأمر مجرد غضب وضغط عصبى يتعرض له وأنه ردها ثانية إلى عصمته فهدأت العاصفة وإن ظلت الشكوك تملأ أرجاء البيت وحزن دفين خاص ,وكانت أحداث وتداعيات الثورة تلقى بظلالها على المجتمع كله من خوف وقلق فكيف لا تلقى بظلالها على بيت تتداعى فيه السلطة والخوف يحاصره.
ومر أكثر من عام على حديث الطلاق الذى لم يقع أو وقع وتم تداركه كما تظن السيدة جيم, وفى مساء يوم من أحد الأيام مات الزوج وبعد ساعات قليلة من انتهاء مراسم الدفن والجنازة فوجئت الزوجة بابن الزوج الذى ربته ولكنه صار مدمناً يعلنها بأن لا مكان لها وأنها كانت تعيش مع والده طوال الفترة الماضية فى الحرام لأنها مطلقة منه, وقع الخبر كالصاعقة على البطلة التى اكتشفت أنها من خلال الأوراق التى أظهرها الابن أنها مطلقة بالفعل منذ أعوام وأنها حسب الأوراق الرسمية كانت تعيش مع رجل فى الحرام.
استنجدت الزوجة بأهلها أو بالباقى من أهلها بعد حبس البعض وهجرة آخرين ووكلت محامى لكى يثبت قبل حقها فى المال حقها فى أيام فى الحلال وليس أيام فى الحرام ومازالت المحاكم تتداول القضية.