لم يفكر أى نظام سياسى فى مصر فى العصر الحديث، منذ محمد على باشا وحتى نهاية عصر مبارك، فى الإخلال بالعلاقة مع المؤسسة الدينية التى يمثلها الأزهر الشريف، أو المؤسسة العسكرية التى يمثلها الجيش، ولم يسعَ للدخول فى صدام مباشر معهما، سواء كان ذلك بوعى بدور هاتين المؤسستين الوطنى والتاريخى، أو بإدراك منه بأن الاحتكاك بهما هو نوع من الانتحار السياسى، لأنهما أهم أركان الدولة وأعمدتها الرئيسية، ومحددات هويتها الثقافية والسياسية، وترسيخ لدورها الريادى والقيادى فى محيطها الإقليمى والدولى.
العلاقة بين الرئاسة فى مصر، وبين مؤسسة الأزهر الشريف والجيش، ربما لم تمضِ فى خط مستقيم طوال الوقت، وشهدت صعودا وهبوطا فى العلاقة، وتحديداً مع الأزهر، لكن لم تصل فى يوم ما إلى مرحلة الصدام المباشر، وتكسير العظام، والاستفزاز الذى يؤدى إلى تدمير مؤسسة حيوية والسيطرة عليها، أو إنهاء دورها الوطنى والتاريخى فى تأسيس الدولة المدنية الحديثة فى مصر. المؤسسات الثلاث الكبرى فى مصر، وهى الرئاسة والأزهر والجيش، كان لديهم الوعى الكافى والحرص اللازم على تجاوز أى خلافات تؤدى إلى صدام لا معنى له ولا نهاية له إلا المصير المجهول للدولة ومؤسساتها الأساسية الحاكمة، وما تمثله من معان وطنية وتاريخية وثقافية ودينية كبرى فى وجدان المصريين منذ تأسيس الأزهر الشريف، والدور الذى لعبه فى دعم القضايا الوطنية والقومية، وفى نشر الثقافة الإسلامية الصحيحة وصورة الإسلام الوسطى فى العالم، ودعم القوة الناعمة لمصر خارج الحدود، أو منذ إنشاء جيش وطنى حديث من المصريين كان ومازال له الدور الأبرز فى حماية الدولة الوطنية، وصون مقوماتها، والدفاع عن حدودها وأراضيها، والوقوف مع مطالب الشعب الدائمة فى التغيير.
الوعى والإدراك والانتباه المشترك للخطورة البالغة من المساس بعصب الدولة الوطنية، والصدام مع مؤسساتها الوطنية بالشكل الذى نراه الآن، هى التى جنّبت مصر الكثير من المخاطر والدخول فى مزالق الهاوية والضياع.
ما نراه الآن وما نتابعه من الاستفزاز المستمر، والسعى نحو الصدام وزعزعة أركان الدولة المصرية وتقويضها أمر خطير، لأن الشعب لن يرضى مهما كان الثمن أن يسعى فصيل أو حزب أو جماعة إلى هدم مؤسساته الوطنية التى بناها بالدم والعرق، ولن يسمح بالاقتراب منها، ومن يقدر على ذلك فسوف يقدم على انتحاره السياسى المؤكد.