سأرتكب «جريمة» هنا بالتغاضى عن الحديث عن أزمة الكاتدرائية، وأرجو منك أن تتقبل اعتذارى عن تناول هذه القضية «مؤقتا» لأن ما حدث أمس الأول فى جلسة محاكمة الفريق أحمد شفيق التى حصل فيها على البراءة جدير بالتأمل والمتابعة.
فى البداية، أذكرك بأن قضية أرض الطيارين التى كشفها المحامى عصام سلطان فى أروقة مجلس الشعب المنحل كانت قبيل انتخابات الرئاسة، ووقتها أكد سلطان أن «شفيق» استولى على المال العام وارتكب جريمة مخلة بالشرف والاعتبار، ومعروف أن عصام سلطان هو التلميذ النجيب للدكتور محمد سليم العوا، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية والمفكر الإسلامى المعروف ومساعد رئيس الجمهورية لشؤون العدالة والتنمية، حتى إن هناك العديد من الأصوات فى حزب الوسط أكدت أن «سلطان» هو الذى أقنعه بالترشح للرئاسة قبل أن يتحول إلى مناصرة أبوالفتوح، ولعلك تسأل الآن ما دخل عصام سلطان والعوا بقضية «شفيق» وأرض الطيارين، وإليك المفاجأة.
فى هذه القضية تم اتهام «إبراهيم مناع» وزير الطيران الأسبق بنفس التهم الملقاة على شفيق، فكانت المفاجأة المدوية هى ظهور الدكتور سليم العوا فى المحاكمة مترافعا عن «مناع»، ومعروف أن براءة مناع هى براءة لشفيق، وبراءة شفيق هى براءة لمناع، ما يعنى أن «العوا» الذى دافع عن «مناع» دافع عن شفيق بالتبعية، ولنا هنا أن نتذكر أن العوا يشغل منصبا رفيعا فى رئاسة الجمهورية بدرجة مساعد رئيس، ولك أن تتذكر أيضا أن هذا الرئيس هو محمد مرسى مرشح جماعة الإخوان التى تدعى أنها ضد شفيق وتتهم المعارضة الوطنية بأنها تتعاون مع «شفيق» وكفى بهذا عبثا.
استكمالا للعبث، إليك ما حصل به «العوا» على البراءة، فلم يعتمد السيد مساعد الرئيس على تفنيد الأدلة وإزالة أسباب الاتهام وكفى، لكنه حصل على البراءة بخطأ قانونى فى الإجراءات، وطعن فى حيادية «قاضى التحقيق» المكلف بالتحقيق فى القضية، وقال إنه يشغل منصبا حكوميا هو مساعد وزير العدل بما يطعن فى نزاهته، بما يعنى أن حكومة مرسى الإخوانية عينت قاضيا للتحقيق فى القضية ثم عينته مساعدا لوزير العدل «أحمد مكى» الإخوانى، ثم جاء مساعد رئيس الجمهورية «الإخوانى» ليستغل هذا الخطأ «الإخوانى» لتبرئة «شفيق» ولك هنا أن تتذكر ما قلته فى بداية المقال من أن العوا «محامى المتهم» هو أستاذ «سلطان» صاحب الاتهام.
الكارثة الحقيقية هى أننا أمام أحد أمرين، الأول أن تكون الحكومة الإخوانية تعمدت «إفساد القضية»، والثانى أن يكون «إفساد القضية» عفويًا، وفى كلتا الحالين «كارثة»، وهنا يجب علينا أن نتساءل: هل ضاقت الدنيا على وزارة العدل حتى تعين قاضى تحقيق فى قضية حساسة ثم تعينه مساعدا للوزير وهى تعلم أن هذا التعيين يفسد القضية، أم أنها لا تضع ثقتها إلا فى عدد محدود من القضاة ومن ثم تتخبط المصالح وتتعارض بما يفسد القضايا، والكارثة الكبرى هى أن الإخوان لا يجدون غضاضة فى أن يمتلكوا كل المناصب ويحتلوا كل المواقع للدرجة التى تجعل «مساعد الرئيس» يشغل مقعدى «الخصم والحكم» تماما كما يشغل قاضى التحقيق موقعى الخصم والحكم، لتكون النتيجة الإجمالية هى «التكويش» على كل شىء والفساد فى كل شىء، وما حدث فى الكاتدرائية ليس إلا أحد نتائج هذا العبث.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة