قد تستيقظ مصر قريبًا على كارثة فى علاقاتها الدولية والخارجية.. مع تكرار الأخطاء الفادحة دون علاج أو مساءلة أو تصحيح أو مراجعة.. وهذه الأخطاء بدأت بعد الثورة ومازالت مستمرة حتى اليوم، ولعل البعض يقول لى: لماذا لا تبدأ الحكاية من البداية؟ وها أنذا أبدأ الحكاية المؤلمة.. فبعد عدة أشهر من ثورة يناير قام المئات من الشباب المصرى الغاضب بحصار السفارة السعودية وكتابة عبارات بذيئة ومتفحشة مع إشارات وقحة ورفع للأحذية للعاملين بالسفارة مع محاولات عديدة لاقتحامها على خلفية القبض على محام مصرى اتهم بحيازة المخدرات.. وكانت هذه بداية تعكير صفو العلاقة مع السعودية، وبعدها بعدة أشهر ظهر فيلم مسىء للرسول «صلى الله عليه وسلم» على شبكة النت أخرجه بعض أقباط المهجر، فقام شباب مسلم غاضب بحصار السفارة ومحاولة اقتحامها، وقاموا بقذفها بالمولوتوف والحجارة، ومنذ عدة أيام تظاهر عدد من الشباب السلفى أمام مقر «مجتبى أمانى» القائم بالأعمال الإيرانية.. وقذفوا المقر بالحجارة.. ورفعوا الأحذية وحاولوا اقتحامه.. وكان سبب المظاهرة الاحتجاج على السماح بالسياحة الإيرانية لمصر، ولنا أمام هذه المشاهد وقفات ألخصها فيما يلى: أولا: هناك إجماع فقهى فى كل عصور الإسلام على أن الرسل «السفراء والقناصل والدبلوماسيين بلغة العصر» لا يقتلون أو يتعرضون للأذى فى أموالهم أو أنفسهم.. ويسرى هذا على أسرهم أيضًا حتى فى حالة الحرب، وقد سبق الفقه الإسلامى العظيم الفقه الدولى الحديث فى هذا الأمر، وسواء كان هؤلاء الرسل مسلمين أو غير مسلمين أو من أى ملة كانت. ثانيا: هذه الأحداث الثلاثة وغيرها تستوقفنا أمام سؤال هام: من الذى يحدد العلاقات الدولية والخارجية لمصر؟ ومن المسؤول عن أولوياتها؟ هل هم مجموعة من المتظاهرين الشباب ممن لا خبرة لهم ولا فقه سياسى أو دينى؟! لقد كنا نتظاهر ونحن شباب فنطالب فى كل مؤتمر بقطع العلاقات تارة مع روسيا لأنها غزت أفغانستان وأخرى مع أمريكا لأنها صنعت كذا.. وثالثة مع فرنسا وبريطانيا بسبب كذا.. ورابعة مع كذا، وإنى أجزم وأنا فى هذا العمر أن علاقات الدول يحددها أعظم الدبلوماسيين ورجال الدولة والقانون خبرة وحنكة ودراية، وأنها ليست متروكة لكل شاب متحمس حتى لو كان مخلصا. ثالثا: للشباب حق التعبير عن رأيهم، ولكن لا يحق لهم محاصرة السفارات أو قذفها بالحجارة أو محاولة اقتحامها، لأن السفارة جزء من وطن السفير.. وقد أقر الإسلام هذه الحرمات قبل الفقه الدولى الوضعى بـ13 قرنًا كاملة، ومن أراد المزيد فى ذلك فليراجع كتاب السير الكبير للسرخسى، وهو أول وأعظم كتاب إسلامى فى الفقه الدولى. رابعا: إذا حاصر الشباب كل عام عدة سفارات لسبب أو لآخر.. فهل ستبقى لمصر أية علاقات خارجية جيدة؟! أم سيحدث معنا مثلما حدث مع طالبان التى كانت لها علاقات دبلوماسية بثلاث دول فقط فى العالم، هى السعودية والإمارات وباكستان، وكانت هذه بداية النهاية لها؟! خامسا: لقد كان الإسلام عظيما حينما أنشأ «منظومة الأمان المتبادل» فى الفقه الإسلامى، فأعطى الأمان للسائحين والتجار والعلماء إذا قدموا لبلادنا، لأن الأمان الذى ستمنحه لهم سيمنحونه لك فى بلادهم.. إذًا هى منظومة أمان متكاملة. سادسًا: العلاقات الخارجية للدول الإسلامية تقوم على المصلحة وليس على الولاء والبراء الدينى، وإلا فإنه ينبغى لنا قطع العلاقات مع كل الدول غير المسلمة فورا ومع الدول المختلفة معنا فى الفكر والمذهب، وقد كانت للرسول والصحابة علاقات مع كل دول العالم من الروم والفرس والمجوس والهنود وغيرهم، وقد استقبل رسول الله «صلى الله عليه وسلم» وفود 48 قبيلة ولم يكونوا مسلمين.. وكان يهديهم ويهدونه وبعضهم قبل الإسلام وبعضهم رفضه، وهذا موجود فى كل كتب السيرة فى باب الوفود. سابعا: هناك فرق بين فقه الدعوة والجماعة القائم على الولاء والبراء، وفقه الدولة القائم على المصلحة. ثامنا: بعضنا يتعامل مع مصر وكأنها طفلة صغيرة يريد البعض اختطافها واغتصابها وينظر إلى الآخرين على أنهم عمالقة وإلى شعبه وكأنه قزم.. ولماذا لا نقبل التحدى ونقبل على جميع الدول والطوائف ونقوى المناعة الداخلية لشعبنا ووطننا؟!! تاسعًا: أذكر الجميع أننى من دعاة السنة أفنيت عمرى كله فى الدفاع عن السنة والصحابة، ومكثت ربع قرن فى المعتقل من أجل نصرة هذا المعتقد.. ولا أريد لمسلمى مصر أن يتشيعوا وأرفض ذلك، لكن اعتقاد البعض أن كل سائح سيأتى إلى مصر سيهودها أو يشيعها أو ينشر فيها البوذية أو الإنجيلية يعد تسطيحًا مخلاً للمسألة فقد حكم الفاطميون الشيعة مصر عدة قرون ولكن الشعب المصرى أحب آل البيت وقبلهم أبا بكر وعمر وعائشة وسائر الصحابة. وأخيرًا: إلى متى سنستمر فى مسلسل رفع الأحذية الذى يعد من أكبر سوءات الثورة أخلاقيًا؟!!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة