ظل الإخوان ومن على شاكلتهم يمجدون فى الصناديق وعظمة الصناديق وحلاوة الصناديق طوال الفترة السابقة، حتى ظن الواحد أنهم يعتقدون أن الإنسان أصله صندوق، ما أن تتكلم فى أى أمر من أمور السياسة حتى يقولوا لك «الصناديق»، لأنها الوحيدة- من وجهة نظرهم- التى تعبر عما يسمونه «الإرادة الشعبية»، والويل كل الويل لمن يحاول أن يصحح فكرة الانتخابات، أو فكرة الاحتكام للصناديق، أو من يبدى اعتراضا على نتائجها، أو حتى من يريد أن يصحح مسارها أو يقنن ممارستها أو يضبط إيقاعها، ووقتها كانت التهمة الجاهزة لديهم هى القول بأن من يعترض على «الصناديق» يحتقر الشعب، وأن الذى يريد أن يقنن أوضاعها «بليد» لا يجد له حجة سوى «مسح التختة»، لكن مع مرور الوقت وتدنى شعبية الإخوان بعدما رأتهم الناس على حقيقتهم، نسى الإخوان الصناديق، وبدأ الرعب يقفز إلى قلوبهم من فكرة الانتخابات، حتى إن هناك العديد من القيادات الإخوانية ابتهجت سرا حينما تم تأجيل انتخابات مجلس الشعب، برغم أنهم عارضوا التأجيل علنا، فلا أحد ينكر أن شعبية الإخوان تدهورت حتى بين أبناء التيار الإسلامى، ولا أحد ينكر أن الجميع انفض من حول رئيسهم، وأن الإخوان يعانون الآن من «الاغتراب السياسى»، وأن اللجوء إلى «الصناديق» الآن لا يعنى سوى أن الإخوان سيعيشون فى منفى.
اللافت فى الأمر أن من تشدقوا بعظمة الصناديق وحلاوتها وأهميتها انقلبوا مؤخرا على «شرعية الصناديق» التى طالما تغنوا بها، وليس أدل على هذا الكفر البيّن بما يأتى به الصندوق من حالة العداء الواضحة التى أعلنوها على نادى قضاة مصر، مرددين أنه لا يمثل القضاة، برغم أنه هو الجهة الوحيدة «المنتخبة» فى هذا القطاع المهم فى الحياة المصرية، والأغرب أنهم يصرون على استبعاد هذا النادى العريق من كل اقتراحاتهم التى تتعلق بأحوال القضاء، وأبرز تلك الاستبعادات ما يحدث الآن فى مشروع قانون السلطة القضائية الذى وصل إلى مرحلة بالغة الخطورة، مهددا استقلال القضاء وحياة القضاة، فصرنا نسمع من بعض الأفواه الإخوانية أنه نادٍ «اجتماعى» وليس سياسيا، وأن دوره ينحصر فى تقديم السلع والخدمات للأعضاء، وهو الأمر العصى على الفهم، ذلك لأن الإخوان يحشرون أى نقابة يستحوذ عليها الإخوان فيما يخص مجالها وأعضاءها، ولننظر مثلا مدى الاعتماد الذى تعتمده الجماعة على نقيبى المعلمين والأطباء فى صياغة القوانين التى تتعلق بهاتين المهنتين، ما يؤكد أن الاعتراض هنا ليس على مدى تعبير النقابة أو النادى عن أعضائه، وإنما على مدى قرب أو بعد النقابة أو مجلسها عن مكتب الإرشاد.
لا تتخيل أننى هنا أدافع عن المستشار أحمد الزند أو مجلس ناديه، ولعلك تعرف أننى من أشد معارضى هذا الرجل بسبب سعيه لجعل القضاء مهنة مغلقة على أبناء القضاة، وهو الأمر الذى يتنافى كلية مع فكرة المواطنة وينسف مبدأ تكافؤ الفرص، لكننى فقط أريد أن أشير إلى أن الإخوان يكفرون الآن بـ«الصناديق» لمجرد أنها لم تأت بمن يهون، ولك أن تتخيل مدى التناقض الذى يقع فيه مناصرو الإخوان وهم يقولون إن من حق مجلس الشورى فرض القانون لأنه «منتخب» برغم أن %90 من أبناء الشعب المصرى لا يعرفون من هو نائبهم فى الشورى، كما يقولون إن من حق الدكتور محمد مرسى فرض القانون أيضا لأنه منتخب، برغم أنه حنث بقسمه وأخلّ بتعهداته، لكنهم مع ذلك يتناسون أن نادى القضاة «منتخب» أيضا، ومن حقه تمثيل القضاة خاصة أننا بإزاء إنشاء القانون الأهم فى حياة القضاة.