صحيح هو دين النيل إيه، والنخل مسلم ولا مسيحى، وما هو دين القمح والفول والورد؟.. لا تندهش من هذه الأسئلة أو تعتبرها نوعا من الهيافة وقلة العقل، فهناك من يعتبرها أسئلة مهمة ومصيرية يجب أن يطرحها المصرى قبل أن يفكر فى الخروج للاحتفال بشم النسيم، أو مشاركة المصريين ارتداء تاج أو خاتم من سعف النخيل. وقبل أن يبدى إعجابه بمنظر القمح فى الحقول، أو اقتناء ورد بلدى.. هذه الاحتفالات ليست بهذه البراءة والخفة لكنها احتفالات لها أبعاد خطيرة، وتداعيات عقائدية، لدى قطاع لا يستهان به من الإسلاميين، الذين اعتادوا من سنوات أن يشغلونا بفتاوى وخلافات حول حرمانية الاحتفال بشم النسيم أو كراهة الفرح بسعف النخيل.
ظل المصريون يحتفلون بشم النسيم طوال قرون، لأنه موسم الربيع والحصاد للقمح والفول وتمتلئ المنازل بالزهور. تواصل الاحتفالات عبر التاريخ، يؤكد وحدة المصريين وقدرتهم على الفرح والتسامح، وهم الذين عرفوا التوحيد قبل ظهور الديانات السماوية.
وحتى فى أكثر الأزمنة ظلاما لم تتطرق عقولهم إلى هذا الجدل المتلبك الذى نراه اليوم حول جواز تهنئة الأقباط بأعيادهم، وحرمانية الذهاب للكنيسة، والجدل التاريخى الجغرافى الدائر من سنوات حول إباحة الاحتفال بشم النسيم، أو السماح بارتداء خاتم من سعف النخيل أثناء الاحتفال بحد السعف.
ومن بين هذا الركام الجدلى الفارغ يدور النقاش الذى انشغل به الأستاذ عبدالرحمن البر المصنف مفتيا لجماعة الإخوان وشغل به الرأى العام واحتاج لتوضيحات وبيانات يشرح لنا ولهم ولنفسه فتواه المتناقضة حول تهنئة المسيحيين، قبل أن تعتلى جماعته السلطة كانت له كلمات تبيح تهنئة المسيحيين ثم عاد هذا العام بعد السلطة ليناقض ويخالف رأيه السابق.
ولم يكن الأستاذ البر فى حاجة لكل هذا، لو وظف علمه وفقهه فى البحث عن تحريم الاستغلال والجشع والفساد، والبحث عما يمكن أن يفيد فى حماية صحة الناس، ومواجهة الفقر، بدلا من جدل لا يهم أحدا ولا يفيد، ولا يتعلق بأصول العقيدة. وليعلم أن المصريين مسلمون قبل جماعة الإخوان بثلاثة عشر قرنا. أقاموا الأزهر لحماية إسلامهم وعقيدتهم، وأن كبار شيوخ الأزهر على مدى التاريخ لم يتطرقوا لشم النسيم ولم يحرموا الفرح والاحتفال بأعياد المصريين، ولم ينشغلوا بمثل هذه الأفكار التى تعادى الحياة وتنشر اليأس وتفرق بين المصريين.
هذا الجدل حول تحريم وتحليل شم النسيم، أو البحث عن دين النخلة، وعقيدة الفول والقمح، بالنسبة للمصرى المسلم الطبيعى يدخل ضمن القصة الشعبية عن الابن الذى قال لوالده «علمنى الهيافة فقال له» تعال فى الهايفة واتصدر. ينشغلون بكل ما هو غير مفيد ويتركون ما يخص حياة الناس وعلاقتهم بربهم وبعضهم.
قضى المصريون قرونا يتشاركون فى الاحتفال بأعياد شم النسيم، من دون أن يسألوا عما إذا كان «شم النسيم» «مسلم ولا مسيحى»، يخرجون للنيل والشواطى يأكلون ويشربون ويفرحون جميعا من دون أن يسأل أحدهم الآخر عن ديانته، الاحتفال من أيام الفراعنة الذين كانوا يخرجون ليحتفلوا بحصاد القمح والفول، والاستمتاع بالزهور والأجواء، سعادة لا يتطرق فيها لأذهانهم تلك الأسئلة المتجهمة التى تنغص عليهم حياتهم. لأنهم لم يسألوا: هل النيل مسلم ولا مسيحى؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة