اليوم وغدا ولفترة قادمة ستقرأ الكثير من السطور التى تسخر من الدكتور مرسى وزيارته إلى البرازيل بسبب مشهد «قرع الكؤوس» مع الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف، وستسمع بعض الأصوات السلفية وهى تهاجم الرئيس، وتحرم فعلته لأنه تشبه بشاربى الخمر، وقال «تشيرز» أو فى صحتك!
شباب التيارات السلفية سيخرجون لاتهام مرسى بأنه ارتكب إثما عظيما، لأن حكم قرع الكؤوس عند الشرب هو المنع والتحريم، طبقا لقول الإمام أبوحامد الغزالى فى إحياء علوم الدين: «لو اجتمع جماعة، ونصبوا ساقيا يدور عليهم ويسقيهم، فيأخذون من الساقى ويشربون، ويحيى بعضهم بعضا بكلماتهم المعتادة بينهم، حَرُمَ ذلك عليهم وإن كان المشروب مباحا فى نفسه لأن فى هذا تشبها بأهل الفساد».
شباب القوى المدنية على صفحات التواصل الاجتماعى، وما يعرف منهم بالنشطاء السياسيين، لن يتركوا المشهد ليمر مرور الكرام، بعضهم سيستخلص منه النكت، وبعضهم سيسعى لتذكير الإخوان بأنهم أهل دين، وبعضهم سيقارن بين «نخب» الرئيس مع رئيسة البرازيل، وقبلة أنجلينا جولى مع البرادعى.
سيحدث كل هذا وما هو أكثر منه، ولكن لن يتوقف أحدهم ليعترف بأن الدكتور مرسى، وفى حادثة نادرة لم نشهدها منذ بداية جولاته الخارجية، أجاد التصرف، وتعامل مع الموقف ببساطة، ونجح فى عبوره دون أن يمنح كاميرات فضائيات ووكالات الأنباء العالمية فرصة لالتقاط مشهد تسخر به من الرئيس المصرى، أو تدلل على جهله البروتوكولى، أو على تطرفه الدينى فى حالة إذا ما كان الرئيس قد تراجع أو ارتبك أو أصيب «بالخضة» من إقبال الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف عليه بكأس لا يعلم محتواه.
الدكتور مرسى- على عكس ما حدث فى ألمانيا حينما نظر فى الساعة، أو أثناء لقائه مع بل كلينتون حينما استخدم المناديل وتعامل مع أنفه أمام الكاميرات- أجاد التصرف، واستقبل نخب الرئيسة البرازيلية بابتسامة، وقام بقرع كأسه، وتحية الجميع رافعا المشروب إلى أعلى ثم وضعه على الطاولة، فى رد فعل يحسب له، لكنه فى الوقت نفسه سيبقى المشهد بأكمله خطأ يحسب على مؤسسة الرئاسة والقيادات الإخوانية الذين يديرون شؤونها، وتم اختيارهم استنادا إلى معايير الولاء والثقة لا معايير العلم والكفاءة.
ما حدث فى البرازيل يكشف ما تعانيه المؤسسة من ترهل وعوار وعشوائية مفرطة فيما يخص أمورها التنظيمية والبروتوكولية، وهذه ليست المرة الأولى بل سبقتها مرات عديدة خلال زيارات الرئيس الخارجية، أو حتى المراسم الرسمية داخل القصر الرئاسى بالقاهرة، وكلها أخطاء بدت فيها صورة مصر صغيرة ومضحكة، وبدا الرئيس بسببها تائها ضائعا ومحل سخرية من الجميع فى الداخل والخارج، فلا أحد ينسى سخرية العالم أجمع من الدكتور مرسى حينما وصل إلى بكين ووقف يستعدل بدلته أثناء عزف السلام الجمهورى، ثم ذهب ليصافح الجميع بمفرده، ثم تحرك إلى يمين الرئيس الصينى بمفرده فى موقف أثار اندهاش من فى القاعة بسبب مخالفته الصريحة للبروتوكول.
الأخطاء البروتوكولية يمكن هضمها فى بعض الأوقات، لكن الأخطاء التى تظهر دوما فى كل خطاب رئاسى، وفى عدم قدرة العاملين بالرئاسة من الإخوان على إخراج خطابات الرئيس ولقاءاته فى أشكال إعلامية وتليفزيونية جيدة، وعدم قدرتهم على إصلاح تلك الأخطاء رغم مرور 10 أشهر على وجود الرئيس فى السلطة، يمكنك أن تستخلص منها دليلا على الكيفية التى تدار بها الأمر داخل القصر الرئاسى، والطريقة العشوائية التى يتم بها إدارة شؤون مصر بداية من الأشياء البروتوكولية الصغيرة، حتى اتخاذ القرارات الكبرى والمصيرية.
عموما نجا الرئيس من فخ قرع الكؤوس البرازيلى، ولكنه لم ولن ينجو من الأفخاخ القادمة على المستويين السياسى والبروتوكولى مادام الإخوان مؤمنين بأن الاستعانة بأهل الثقة، وتوزيع المناصب على قيادات الجماعة على سبيل المكافأة هو السبيل لحكم مصر!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة