لم يعد بكاء السادة فى جبهة الإنقاذ أو التيار الشعبى أو باقى أحزاب القوى المدنية يستهوينى، لم تعد حالة الإنكار المستمرة التى تعيشها القوى المدنية بشقيها الليبرالى واليسارى مثيرة لتعاطف المنطق أو حتى استثارة انتباهه.
غير معقول ولم نقرأها فى كتاب من قبل، أو نشاهدها فى تجربة أو نسمع عنها حتى ولو على سبيل الحدوتة التاريخية أن تكون هناك قوى حزبية وثورية وتيارات معارضة لا وظيفة لها سوى الشكوى.. الشكوى من تغول السلطة ونفوذها وأخونتها.. الشكوى من ضعف إمكانياتهم المالية.. الشكوى من اتساع الفجوة بينهم وبين الناس فى الشارع.. الشكوى من استغلال الإخوان والسلفيين للدين فى الدعاية السياسية.. إلى آخر قائمة الشكاوى التى تستخدمها قوى المعارضة عقب الثورة وفى ذيلها دوما الشكوى من مؤامرة غامضة لم نر دليلا لها حتى الآن، ولا نعرف ربطا بينها وبين سوء وضعف أداء القوى السياسية المدنية على أرض الواقع.
وقبل أن تسأل قائلاً: (ماذا يفعل البسطاء فى الشوارع إن كان من تصدروا للحديث باسمه لا يرفعون من الأسلحة سوى سلاح الشكوى؟)، وقبل أن تخبرنى بما هو معلوم بالضرورة بخصوص أن «الشاكى» شخص قليل الحيلة وبناء على ذلك فلا يصلح أى من أهل النخبة لمواجهة الإخوان والتوغل السلفى، دعنا ننطلق إلى مساحات أكثر طرافة من ذلك.
الطريف فى الأمر مجمله يا عزيزى أن جبهة الإنقاذ دائما ما تسخر من مرسى والإخوان بسبب شكواهم الدائمة من إرث مبارك وفساده، ومن الدولة العميقة وتحركاتها ومن المؤامرات العالمية من أجل إسقاط المشروع الإسلامى، لتكتشف أنت عزيزى المواطن الجالس فى منزلك أنك محشور بين فكى كماشة «خائبة»، تيار وصل إلى السلطة ومازال فى حاجة إلى شخص ما يتطوع ويقوم «بقرص» الرئيس فى ركبته وخيرت الشاطر من أذنه والمرشد من أى «حتة» فى جسمه حتى يقتنعوا أن وجودهم فى السلطة حقيقة وليس حلما، حقيقة تستدعى تحركات سياسية مختلفة عما يحدث الآن، ومختلفة عما كان يحدث من قبل، حتى لا يصدمنا مشهد عبثى مثل مشهد مظاهرات الإخوان أمس لنصرة القدس، الذى يسحبك لأن تقف أمامه متأملاً سائلاً: (ضد من يتظاهر الإخوان؟، وألم يكن أسهل وأوفر على البلد وعلى الجماعة أن يرفعوا سماعة الهاتف ويطلبوا من الرئيس أن يتخذ قرارا لنصرة القدس، بعد أن ظلوا لسنوات يتهمون مبارك بالعمالة والخيانة لأنه لا يتخذ مواقف لحماية القدس، ولا يفتح باب الجهاد ضد المحتل اليهودى).
الفك الآخر للكماشة وهو القوى والأحزاب المدنية أكثر «خيابة» من فك تيار الإسلام السياسى، فلا نجح مثل الإسلاميين فى الحفاظ على تماسكه ووحدته طوال سنوات مبارك مثلما فعل الإسلاميين، ولا هو يملك كوادر قادرة على التواصل مع الشارع، ولا هو استغل فرصة نفور الشارع المصرى من الخطاب الدينى المتطرف وعمل على دراسة وصياغة خطاب دينى تنويرى جديد يمنحه تعاطفاً وتواجداً قوياً فى الشارع المصرى.
قبل 48 ساعة من الآن اعترف السياسى المحترم عبدالغفار شكر عضو جبهة الإنقاذ بأن الجبهة ضعيفة وغير متواجدة فى الشارع، وهو الاعتراف الذى عرضه لهجوم كبير واتهام بشق الصف، دون أن يدرى مهاجموه أن شجاعة عبدالغفار شكر ربما تكون هى طرف الخيط الذى يجب أن يستمسك به قيادات القوى الليبرالية واليسارية من أجل إصلاح ما أفسده الزمن وطمع النخبة فى علاقة هذه القوى بالشارع المصرى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة