كمال حبيب

فقه جديد فى الاجتماع والسياسة «1-2»

الإثنين، 13 مايو 2013 03:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد أن تحولت الجماعة المسلمة من الجماعة إلى الدولة ظهر ما نطلق عليه فى العلوم الاجتماعية، العقد الاجتماعى المنظم لعلاقات الداخلين ضمن نظام الدولة وهم ليسوا فقط مسلمين ولكن كان من بينهم غير المسلمين، تشير وثيقة المدينة التى رتبت العلاقات بين الدولة الإسلامية الأولى ومواطنيها على فكرة أن الدولة غير الجماعة، فبينما الجماعة تركز على شروط الانسجام الدينى والعقدى بين أبنائها، فإن الدولة تركز على شروط الانسجام الذى يراعى مصالح الداخلين ضمن سياقها بصرف النظر عن اختلافاتهم الدينية وبالطبع الاختلافات المذهبية والسياسية. فى الاجتماع والسياسة للدول تكون مهمة صانع القرار التوفيق بين مصالح متعارضة ورؤى متنافسة، وتحدى الرأى الآخر، وكيف يمكن بناء أوسع قاعدة للتوافق بين المشتركين فى الانتماء لتلك الدولة، وهنا أشير مباشرة إلى نظريتى القائمة على التمييز بين العقيدة والسياسة وبين الاجتهاد الفقهى والاجتهاد السياسى. فحيث عمل الفقهاء على استنباط أدوات للاجتهاد الفقهى تقوم على الإجماع والقياس، إضافة للمصادر الكبرى أو الأصلية وهو القرآن والسنة، نجد هؤلاء الفقهاء أنفسهم استنبطوا ما أطلقوا عليه أدوات فرعية أو مساعدة، وظنى أن هذه الأدوات الفرعية التى لم يتفقوا جميعا عليها هى التى تؤكد نظريتى، فالمصالح المرسلة والاستحسان والعرف والعادة والمقاصد الشرعية، هى أدوات للمجتهد ولكنه يستخدمها فى سياق اجتماعى وسياسى.
وإذن نحن أمام أدوات للاجتهاد الفقهى وأخرى للاجتهاد السياسى، فأدوات الاجتهاد الفقهى الإجماع والقياس وبدرجة أقل المصالح المرسلة والعرف والعادة والمقاصد، ولكننا فى الاجتهاد السياسى سوف تكون تلك الأدوات التى يقل استخدام الفقيه لها هى الأدوات الرئيسية للاجتهاد السياسى، بمعنى أن الفقيه السياسى والاجتماعى أو المجتهد فى هذين المجالين سيكون استخدامه بدرجة أكبر وأصلية لما اعتبره الفقهاء أدوات فرعية فى اجتهادهم، ومن ثم فإن العرف والعادة والمصالح المرسلة والمقاصد الشرعية ستكون أدواته الرئيسية.
يظن الكثيرون أن الفقه وأصوله بل وعلم العقيدة ذاته ليس له علاقة بالسياقات الاجتماعية والسياسية التى أنتجته، ومن ثم رأينا الجوينى يتحدث عن «غياث الأمم» فى «التياث الظلم»، يعنى كيف يمكن لنا أن نحقق غياث الأمة فى وقت الظلمة المعتمة التى لا يبدو للمستقبل فيها أى ضوء فى نهاية النفق. وهو هنا يشير إلى أن الأمة هى حاملة رسالة الإسلام وليست المؤسسة السياسية، وأن المؤسسة السياسية إذا فسدت فإن الأمة تقوم على قدر وسعها بوظائف تلك المؤسسات العفنة، وهو أيضا أول من أشار إلى ضرورة وضع المقاصد والمصالح كغاية نهائية للفعل السياسى، وقدر أن المباح وهو الذى لم يشمله وصف شرعى بحكم، يجب أن يكون فضاءً مستقلا وأنه يجب أن يكون فى موضع الصدارة فى الاهتمام الأصولى أكثر من الأمر والنهى أو الحلال والحرام، لأنه كلما اتسعت أسباب الحضارة وانفتاح المعاش وتقلبه على الناس كلما احتاجوا أكثر إلى إعمال منطقة المباح حتى يمكنهم التقلب فى المعاش كبشر وفى نفس الوقت يكونون ضمن السياق الشرعى. مع مجىء الإسلاميين إلى السلطة فى مصر وتونس، وهم جزء من السلطة فى ليبيا، وهم قوة كبيرة فى اليمن، وهو فاعلون كبار فى سوريا، لابد من اجتراح التأسيس لعلم أصول فقه سياسى واجتماعى يكون أداة صناع القرار والباحثين والمجتهدين لمواجهة مشكلات مجتمعهم التى لا يستقلون هم وحدهم بالعيش فيها ولا يحوزون هم وحدهم على قوة المجتمع وسياساته، وهنا كيف يمكن التعامل مع قضايا وحدة الأوطان وتغليبها على الانخراط فى فقه جزئى مثل عدم تهنئة النصارى بأعيادهم مثلا، أو اعتبار الليبراليين ومن يتبنى أيديولوجية غير أيديولوجية الإسلاميين خارجين عن ملة النظام السياسى لا يجوز مشاركتهم ولا مجاورتهم فى العمل الاجتماعى والسياسى رغم أن المؤسسات الحديثة بطبيعتها تقوم على التشارك وعلى التنوع والتعدد.. وللحديث بقية.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة