د. محمد على يوسف

«عند» كبير الباشاوات

الأربعاء، 15 مايو 2013 08:27 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حين كتبت الأسبوع الماضى مقال «رغم أنف الباشا» لم أكن قد اطلعت بعد على الفيديو المصور فى أحد أقسام الشرطة، والذى يتوعد فيه أحد الباشاوات مواطنا باغتصابه، ويحاول الاعتداء عليه وعلى والدته، ولم أكن قد استمعت أيضا للقاء كبير الباشاوات وزير الداخلية مع خيرى رمضان. الموقفان يغنيان عن كثير من الجدل لإثبات صحة تحليلى لواقع الداخلية المؤسف، ويردان وغيرهما على من يزعمون أن الداخلية تغيرت أو فى طريقها للتغيير، ويثبتان بالكبر والعنجهية والعجرفة التى تتقاطر منهما أن الباشا «لِسه» باشا، وأن العقلية الأمنية التى يفترض بأصحابها أن يكونوا حماة العدالة ومطبقيها على غيرهم لم تزل كما هى، وفاقد الشىء لا يعطيه، ولنتكلم أولا عن حلقة رب البيت لعلنا ندرك شيمة بعض أهل البيت!.
لقد أصر كبير الباشاوات من أول الحلقة على التطرق لموضوع الضباط الملتحين، ورغم أن المذيع ألمح إليه أكثر من مرة ألا يستبق ترتيبه للحلقة، إلا أن معاليه آثر فى كل فرصة أن يستعرض ويتباهى بقوته وجبروته على الضباط الذين يتفاخر بأنه أصدر قرارا بإيقافهم بمجرد إرجاعهم بعد حصولهم على أحكام من المؤسسة التى يفترض أن الباشا ورجالاته وظيفتهم الأساسية تنفيذ أحكامها، أى شرطى هذا الذى يثبت للأمة بل وللعالم أجمع وعبر برنامج فضائى أنه قادر على التلاعب بالقانون الذى يفترض أنه يحميه ويطبقه؟، وأى موظف عام هذا الذى يتوعد أمام الأمة والعالم أناسا حصلوا على أحكام قضائية، ويؤكد أنهم لن يعودوا أبدا مهما صدر من أحكام فى صالحهم، بل حتى لو صدر حكم بحبسه شخصيا، وكيف يأمن مواطن على نفسه ومثل هذا الوزير المتباهى على رأس جهاز يفترض أن يأتى له بحقه ويقيم العدل معه؟.
أنا لن أتطرق كثيرا لحكم كلامه شرعا عن أمر يُجمع العلماء على أنه من الهدى النبوى ومن سنن الفطرة المأمور بها، وهناك فتوى رسمية من دار الإفتاء المصرية مقيدة برقم 194 لسنة1981 تقطع بأنه لا يجوز إجبار المجندين على حلق لحاهم يمكن لمن شاء مراجعتها، لكننى هنا أقف وقفة مع المستوى الفكرى والثقافى والقانونى الذى وصل إليه رجل ذو منصب رفيع فى الدولة، وتم الإبقاء عليه فى التعديل الأخير، بينما لو أننا فى دولة تحترم نفسها ومواطنيها كان يُفترض أن يكون مصير مثله ليس فقط الإقالة من الوزارة، بل والإحالة للاستيداع، وربما المحاكمة بتهمة التلاعب بالقانون ورفض أحكام القضاء، بالإضافة إلى التفرقة العنصرية. ولقد ظهر المستوى الفكرى المؤسف عندما سأله المذيع عن سبب إصراره على إيقافهم، رغم أنها مسألة لا تتعلق بجوهر أدائهم الوظيفى، فكانت إجابته الهزلية أنهم تربوا على هذا، وكانوا إذا «خرفشت» الورقة عند مرورها على ذقونهم صباحا يعاقبون.. يا للحجة الباهرة!، نفس منطق «بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ». بدلا من أن يشمر حامى حمى القانون عن ساعديه ليبين لنا الحجج الشرعية والقانونية التى تدفعه لمثل هذا الوعيد الشديد ضد سنة الحبيب إذا به يتحفنا بحجة هى أولى بضحكاته الساخرة التى ختم بها اللقاء، بعد أن أعلن أنه حتى لو صدر حكم بحبسه فلن يدخلوا «عنده» الوزارة!!
نعم قال: «عنده» وكأن تلك الوزارة ملكية خاصة بسعادته، وبدلا من أن يجتهد لإعادة الأمن أو يقوِّم تجاوزات الباشاوات كصاحب المقطع المذكور وأمثاله إذا بالباشا يستأسد على أولئك المتسننين، فلا يفند حججهم، وإنما يشق عن صدورهم، ويتهم نياتهم ومقاصدهم مفسرا الأمر بالمصالح السياسية. وهذا ليس غريبا على مثله فالعقلية التى تربت على السمع والطاعة لمن هو أعلى رتبة ربما لا تدرك بسهولة معنى السمع والطاعة لأمر نبوى واضح كقوله أعفوا اللحى. وربما لم يخبره زملاؤه بإدارة النشاط الدينى فى أمن الدولة أن هناك من يفضل طاعة النبى والاقتداء به على كل شىء، وأن هناك من يقول بقول جمهور أهل العلم إنها سنة واجبة لا طاعة لمخلوق فى تركها. هكذا ببساطة وبدون حسابات سياسية وحزبية. لكن أنَّى لك أن تفهم أيها الباشا وقد أعرضت عن كل منطق؟.. إن ما يسوءنى حقا أن يكون مثلك ممن يباهى بانتهاك العدالة على رأس مؤسسة يفترض أنها تحمى العدالة، لكن إحقاقا للحق المسؤولية ليست عليك وحدك، المسؤولية أيضا على رئيس أتى بك ومدد لك، وهو يدرك بحكم المادة 141 من دستور دعى الناس لقبوله أنه يتولى سلطاته التنفيذية من خلال وزرائه. ذلك الرئيس الذى هو للمفارقة رئيسك الأعلى بنص المادة 199 من الدستور، وهو بالمناسبة يشبه فى مظهره أولئك الذين ترفض إدخالهم «عندك» أيها الباشا.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة