نوع من البشر يبدون مختلفين عن السائد والشائع، هؤلاء يسارعون لمساندة المظلوم، تجدهم دائما فى مقدمة الصفوف، يعملون بصمت وصبر ودأب، لا يبحثون عن كاميرا، أو شهرة، أو مال، هم فقط موجودون من أجل قضية ما، مساندة مظلوم، مواجهة ظلم، يفعلون ذلك بشهامة وصبر وبلا ثمن، أغلبهم تجد على وجوههم ابتسامة رضا، وقناعة، وإيمانا يحسدهم البعض عليه، ومن دون هؤلاء تصبح الحياة جحيما، ومن هؤلاء بالطبع سيد فتحى، مثلما كان نبيل الهلالى، وعشرات من أعضاء الحركة الوطنية والمحامين الذين ساندوا المظلوم أيا كان، ودافعوا عن الحق بصرف النظر عن مكانه.
هل كان يجب أن يرحل سيد فتحى لنكتشف أننا نفقد أجمل ما فينا من أرواح. سيد فتحى تلميذ نجيب لأحمد نبيل الهلالى، قديس الحركة الوطنية، الذى خصص وقته وماله وجهده للدفاع عن المظلومين أيا كانت توجهاتهم، كان يقف فى مقدمة صفوف المحامين بابتسامته التى لاتفارقه. هو من ساند المعتقلين من يسار ويمين وإسلاميين دون أن يسأل عن توجهاتهم أو انتماءاتهم. تسلم سيد فتحى الراية، لم يرفض أبدا طلبا لعامل فصل من عمله تعسفيا، ولا مظلوم لا يجد يدا تمتد إليه، يسارع بالاتصال، ويبدأ فى إجراءات المساندة دون انتظار.
سيد فتحى كان أحد الأبطال الحقيقيين للدفاع عن الشهداء والمعتقلين قبل وبعد يناير.. نقول «الحقيقيين» لأنه لم يكن من محامى الكاميرات وعبدة الفضائيات ممن ذهبوا وزحموا هيئة الادعاء بالحق المدنى من أجل التقاط الصور، رأينا خلال محاكمات قتل المتظاهرين المرة الأولى عشرات بل ربما مئات من المدعين بالحق المدنى والمحامين ممن يداعبون الكاميرا ويتحدثون بأى كلام من أجل الصور قبل أن ينصرفوا، بينما سيد فتحى، وعدد قليل كان ذاهبا من أجل الدفاع عن حق المظلومين، لهذا لم يظهر كثيرا، كان يعرف أن العمل الميدانى أصعب، وأن إعداد المذكرات والدفوع وسد الثغرات أهم وأبقى من الحديث أمام الكاميرات.
سيد فتحى حمل أمانة مؤسسة الهلالى للحريات التى نشأت تخليدا واستمرارا لجهود القديس نبيل الهلالى الذى كان مؤسسة وحده، واصل جهود الأستاذ ببراعة ودأب.
بعد الثورة ظل سيد فتحى محاميا للضحايا المجهولين الذين لم تمتد إليهم أيادى وكاميرات الإعلام، كما أنه كان يعمل دون كلل، فهو محامى كل المعتقلين، محامٍ ممن يذهبون ويبيتون فى النيابة ويصبحون فى المحاكم، وليس مثل محامين يمارسون عملهم فقط على «فيس بوك»، ويحرصون على نشر بيانات وإحصاءات لجمع التمويل من دون عمل. هو محام لأسرة الشهيد الحسينى أبوضيف، وشهداء الثورة وعشرات المتظاهرين والنشطاء، آخرهم أحمد دومة، وكانت آخر مرافعات سيد فى قضية اتهم فيها دومة بإهانة الرئيس، بعدها خانه قلبه المتعب، لأن سيد لم يلتزم بتعليمات الأطباء بأن يرتاح بعد عمليتى قسطرة للقلب.. كان يجب أن يرتاح لكنه رفض واستمر فى برنامج أرهق قلبه لأنه أيضا كان يأخذ الأمر بجدية.
سيد فتحى.. النبل مع الشرف، والإنسانية مع الإصرار والجدعنة والصبر، مع ابتسامة رضا تزين وجهه دائما، تبقى مثلما يبقى سيد فتحى حلقة فى سلسلة المؤمنين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة