الأخبار التى أعلنت عن أن الجهات الأمنية والسياسية تتفاوض مع خاطفى الجنود فى رفح، والخاطفون طالبوا بنقل متهمين من سجن لآخر، وعندما فعلت الجهات الأمنية طلب الخاطفون إطلاق سراح أحد المتهمين. وتتداخل جماعات سياسية وتطلب مهلة من الجهات الأمنية قبل التدخل العسكرى.. كل هذا وما تزال دماء الجنود المصريين الذين قتلوا بالخيانة فى رمضان عالقة لم يتم التوصل للقتلة ومعرفة المعتدين.
لو صحت هذه المعلومات عن تفاوض مع الخاطفين، نحن أمام دولة ضعيفة لا تعرف معنى القانون والهيبة والسلطة. وخلال شهور تبدو سيناء خارج نفوذ الدولة، تضم جماعات مسلحة مجهولة، وتستضيف جماعات مختلفة من هنا وهناك. ولا يمكن الحديث عن هيبة الدولة وهناك حالة من العرف والخواطر.
لقد تمت مهاجمة العريش ونقاط التفتيش وخط الغاز عدة مرات، من دون التوصل للفاعل، بما يشير إلى أخطاء أمنية ومعلوماتية، كما هاجم إرهابيون قسم العريش ولم تتم مواجهتهم. وبعد مذبحة الجنود فى رمضان كشفت التقارير عن تنظيمات وجماعات تتمركز فى سيناء وتمارس تدريباتها. كل هذا يكشف عن خلل أمنى يحتاج إلى مواجهة بخطة شاملة وليس مجرد مفاوضات عرفية، ومراعاة لخواطر حلفاء سياسيين.
قلنا مرارا إن حماية سيناء لن تتم فقط بزيادة القوات، ولا تحتاج حتى لتعديل اتفاقيات، بل بزيادة التنمية الحقيقية، وليس السياحية. أمن سيناء يبدأ من أبناء سيناء والتعامل معهم كمواطنين لهم نفس الفرص وليس مجرد مؤلفة قلوبهم، وأيضا مواجهة أى جماعات إرهابية أو إجرامية بالردع، وبالقانون. وليس بالعرف والمفاوضات التى تضعف شكل الدولة، وتدفع المزيد من الإرهابيين لتكرار الإرهاب لعلمهم أنه لا توجد دولة.
مصر فى مرمى نيران كثيرة، وسيناء طوال شهور تعيش وضعا استثنائيا، وتتعرض لهجمات تكاد تفصلها عن الوطن، هناك الكثير مما يقال عن إهمال سيناء اقتصاديا واجتماعيا، والاكتفاء بوعود وكلام عن تنمية لا تتحقق. لكن أيضا هناك تقارير وأنباء عن جماعات متطرفة تسعى لجعل سيناء بيشاور جديدة، أو صومال، وهى تهديدات، قد تنتهى بالتقسيم للبلد كله. وهى أخطار واضحة وماثلة، لا يكفى معها التهويل أو التهوين أو العرف، بل تحتاج إلى دولة تمتلك القدرة على التفرقة بين الإرهاب، والغضب، وبين جماعات إرهابية، وقبائل غاضبة ومحبطة.
الطبيعى أن يتم التعامل مع كل حدث كبير أو تهديد للأمن القومى، بهدوء وبناء على معلومات، وليس مجرد تحليلات وشائعات. واتهامات جزافية. لكن أيضا من دون استهانة، أو التعامل بطريقة تشجع آخرين على إهانة الدولة التى تسقط هيبتها أمام الإرهاب والإجرام. ومع مراعاة الأبعاد الاجتماعية والسياسية فى سيناء، لكن هذا لا يدخل فيه الإرهاب، أو التهديد المباشر للأمن. والتفاوض لكسب الوقت وترتيب الأوراق وارد، لكنه لا يفترض أن يصبح قاعدة. لأن الاستمرار فى التعامل العرفى، يفتح الباب لمزيد من الإرهاب. والخوف كله من أن يصبح مصير الجنود المخطوفين، هو نفس مصير الجنود المغدورين فى رمضان.