الغردقة المدينة التى تجوب شهرتها العالم كواحدة من أهم وأشهر مناطق الغوص عالميا، عاصمة محافظة البحر الأحمر التى يسكنها حوالى 90 ألف نسمة كآخر إحصاء تم عام 2009، هى موقع حكايتنا هذا الأسبوع.
ولكن قبل أن أبدأ فى حكاية البشر لابد أن أبدأ بحكاية الحجر أو الأرض وتاريخها، فالغردقة التى كانت تُعرف فى القدم باسم مدينة الدهار قد اتخذت اسمها من شجرة الغردق، وهى شجرة تنمو فى المناطق الصحراوية وتتحمل قلة الماء وملوحة التربة، وقد ذُكر الغرقد فى السنة النبوية الشريفة، فعن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودى من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبدالله هذا يهودى خلفى فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود»، وتكثر زراعته فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.
ولم تنشأ الغردقة إلا فى القرن الماضى حين سكنها بدو جهينة من الجزيرة العربية وبعض قبائل العبابدة وكانوا يعملون بالصيد، ثم بدأ نموها فى 1913 مع اكتشاف النفط، ولكنها لم تكتسب شهرة ولا قيمة إلا حين بدأت تُعرف كواحدة من أهم مناطق الغطس فى العالم فى الثمانينيات من القرن الماضى فاكتسبت شهرة سياحية عالمية وكذلك محلية، فبدأ التوسع العمرانى بها وكما صارت مقصدا سياحيا للأجانب صارت مقصد رزق لكثير من المصريين خاصة أهالى الصعيد وكثير من قرى مصر التى هاجر أبناؤها بحثا عن فرصة عمل حين تضيق بهم السبل فى قراهم ونجوعهم البعيدة الفقيرة.
بطلة حكايتنا فتاة صغيرة لا يتعدى عمرها 23 عاما هجرت قريتها الصغيرة فى محافظة كفر الشيخ حين كان عمرها 16 عاما وشدت الرحال إلى مدينة الغردقة آملة أن تجد لقمة العيش التى عزت عليها وعلى أهلها... قالوا لها إن البلاد البعيدة حضنها دافئ كشمسها، ومالها منعش كهوائها فأغلبه بالعملة الصعبة، وفرصها كثيرة كماء بحرها... رحلت الصبية وهى مليئة بالأمل بعيدا عن الفقر وقهر الأب والإخوة الرجال، حكايتها راكور لحكايات عشرات بل مئات بل آلاف من بنات الغردقة، بدأت بالعمل فى خدمة الغرف فى أحد الفنادق أو فى كافيه وسكنت مع فتيات أخريات فى شقة يستأجرها لهم صاحب العمل فى ظروف غير إنسانية.
علمتها الشراكة فى السكن أن تضع نقودها تحت رأسها وهى نائمة وكذلك ملابسها، وإلا فستصحو من نومها بلا نقود أو ملابس، علمتها الحياة المشتركة أن كل شىء بثمن، وعلمها صاحب أول عمل أنه رب عملها وغير عملها، ومن العجيب فى هذه الدنيا وطبائع البشر أن المظلوم دائما هو من يمارس أقسى أنواع الظلم الذى تعرض له على أول عابر سبيل، وتلك كانت خصال بنات الغردقة مع بعضهن البعض، فالأقدم فى المظلومية هى الأقسى فى الظلم للأخريات.
دعتنى بطلة حكايتنا للجلوس مع بعض من فتيات الكافيتريات لكل منهن حكاية تتشابه وتتقاطع مع غيرها من حكايات البنات، ولكن كلهن ينفقن على عائلاتهن، وقالت لى إحداهن حين سألتها ألا يسألك أهلك من أين تأتين بالنقود وكيف تعيشين فردت بابتسامة مريرة «يا أستاذة حين تنتظر منك العائلة برجالها وأطفالها الفلوس كل أول شهر لا أحد يسأل كيف، المهم الفلوس توصل لأننا رجالة العيلة».
المخدرات وخاصة الحشيش تجارة رائجة جدا فى الغردقة، وقلما تجد بنتا من العاملات لا تتعامل فيها، سواء التعاطى أو الاتجار أو الاثنين معا.
أغلب أصحاب الفنادق ورجال الأعمال الكبار فى الغردقة يستخدمون الروسيات فى الترفيه عنهم، ولكل منهم عدد من الروسيات، مما يجعل بنات الغردقة القادمات من الريف أو الحضر فى درجة ثانية بالنسبة لهن، سواء فى العمل أو المتعة، ويصيب الحظ أحيانا حين يحن صاحب فندق على إحداهن ويمنحها الحماية كما حدث مع بطلتنا التى ترتبط منذ فترة برجل هام، وهو ارتباط غريب فكل مهمتها أن تسرى عنه وتصحبه حيث ذهب، فالرجل يشعر بوحدة رغم ملايينه، وهو كما حكت لى لا يطلب منها شيئا سوى أن تصاحبه حيث ذهب، تحمل سجائره وتقدم له قهوته ولا شىء آخر، فلا هى خادمة ولا هى عشيقة هى مجرد حاشية... وقد اعتبرت بطلتنا كما بنات الغردقة أنها محظوظة لأنه يحميها من رجال الغردقة وظلم وقسوة بناتها، ولكنها تدرك أن لكل شىء نهاية ولهذا فهى تنتظرها.
حكايات بنات الغردقة تشبه اسمها فكأنهم شجر ينبت فى الأرض الملحة ويتحملون العطش ووراء كل منهن حكاية، وما أكثر الحكايات.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة