ناجح إبراهيم

يوميات داعية فى تونس

الثلاثاء، 21 مايو 2013 05:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ذهبت إلى تونس تلبية لدعوة كريمة من جمعية الأئمة والخطباء التونسية، وهى جمعية تهتم بالدعوة الإسلامية، ولا تتعاطى السياسة، وتضم كل الخطباء والأئمة فى تونس والغريب أن هؤلاء الخطباء والأئمة، كان يتعذر عليهم مجرد اللقاء الإنسانى فى عهد «بن على»، ولكنهم أرادوا بعد الثورة أن ينسقوا مواقفهم الدعوية ويطوروا من أساليبها العتيقة التى لم تتطور فى تونس على الإطلاق منذ أكثر من 60 عاما. وقد كانت لنا صحبة طيبة من الدعاة من رموز الوسطية الإسلامية المصرية. وقد لاحظت فى البداية أثر الاستعمار الفرنسى على منظومة الحياة التونسية، فقد فوجئنا أن الإجازة الرسمية الأسبوعية هى يوما السبت والأحد.. أما الجمعة فهو يوم عمل فى القطاعين العام والخاص، وهناك فسحة من العمل وقت الصلاة فقط. أما الأغرب من ذلك، أننا فوجئنا أن المساجد تؤخر صلاة الظهر حتى يتوافق مع فسحة العمل الذى يتم فى المصالح الحكومية التونسية على فترتين، كما يحدث فى فرنسا أيضا. وقد تأملت فى طالبات المدارس فى الأحياء الراقية، وكذلك الجامعات، فوجدت الحجاب قليلا ومعظم الطالبات دون حجاب، وكذلك جميع الموظفات والعاملات فى الفندق إلا واحدة، رغم أن معظم الموظفات والعاملات فى الفندق كبيرات السن قليلات الحسن. وقد استوقفتنى موظفة عجوز قائلة لى: نحن نحب الدين ونتمسك به ونصوم ونصلى ونتعبد، ولكن تونس درجت منذ فترة طويلة على منع الحجاب للموظفات والعاملات، وقد تعودنا جميعاً على ذلك.. وإذا حاول الشباب المتدين هنا أن يقهرنا على ذلك، أو يجبرنا عليه إجباراً، فلن يحقق ذلك نتيجة إيجابية لأننا نكره من يعاملنا بطريقة فظة أو جافة، ومن يعاملنا برفق سنستجيب له. فقلت لها: صدقت فقد قيل لمن هو خير منا جميعا ولمن ملك رياسة الدنيا والدين صلى الله عليه وسلم، «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك». تأملت الشوارع التونسية فوجدتها ملأى بالسيارات الفرنسية، مثل بيجو ورينو وستروين وكذلك السيارات الألمانية مثل فولكس، فقلت فى نفسى: كأن تونس تحتفى بالدول التى احتلتها فرنسا وألمانيا. ورأيت أن معظم التاكسيات فى تونس ماركة فولكس فاجن حديثة، فقارنت بينها وبين تاكسيات الإسكندرية «لادا» التى تعمل منذ قرابة 40 عاما، أو بعض ميكروباصات الجيزة التى مر عليها أكثر من 60 عاما.. وكلاهما فى أسوأ حال. سألت مرافقى الشيخ بشير نيف عن السر فى ذلك، فقال لى:إن نقابات العمال هنا قوية جداً.. ونقابة عمال التاكسى تفرض نوعا راقيا حديثا من السيارات من أجل السياح.
تجولت فى الشوارع فوجدتها نظيفة جداً مثل أوروبا تماما، فقالوا لى إنها كانت أنظف من ذلك بكثير قبل الثورة، لم أجد فى العاصمة أية عشوائيات على الإطلاق.. بل وجدت الخضرة فى جميع الأحياء الفقيرة قبل الغنية، وفى كل البيوت وكل مؤسسات الدولة تحوطها الخضرة.. حتى المساجد فى الأحياء الشعبية حولها أشجار فاكهة مختلفة فى حرم المساجد. دخلت منزل مرافقى الشيخ بشير فوجدت الزهور والورود وأشجار الزينة تحوطه.. والهدوء يسود المكان.. وأشجار الزيتون والنخيل فى الشوارع. ذهبت للتسجيل فى إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم، فوجدتها أشبه بفيلا صغيرة تحوطها أشجار الفاكهة والزينة.
والخلاصة أن تونس حقاً خضراء.. حتى الجبال مكسوة بالخضرة والجمال.. لا أثر للفوضى فى الشارع التونسى، كما نراها هنا فى مصر فى كل متر من الشارع.. ليس هناك مقهى أو متجر يضع الكراسى أو البضاعة على الرصيف أو فى الشارع.. ولم أجد احتلالاً للشارع من الباعة الجائلين. التوانسة أشبه بالأوروبيين وبالمسلمين الأوائل يستيقظون مبكراً، ويعملون على فترتين.. ثم ينامون بعد صلاة العشاء.. المساجد تكتظ وتمتلئ بالمصلين.. بعد صلاة العشاء بساعة، لا تكاد تجد أناساً فى شوارع العاصمة.. الأمن مازال قويا ومرهوب الجانب، لم تسقط هيبته كما سقطت فى مصر. تجولت كثيراً فى تونس لم أجد أحداً يتشاكس مع آخر أو يضربه.. ولم أسمع شتائم فى الشارع.. المترو ليس فيه زحام ولا الأتوبيسات.. الشوارع حالتها جيدة.. قد يعود ذلك لعدد السكان القليل الذى لا يجاوز 13 مليونا.. وقد يعود لانضباط هذا الشعب أو قربه من الحضارة الأوروبية المعروفة بالجدية والانضباط رغم الفساد الأخلاقى. لم ينزل هناك الجيش إلى الحياة السياسية، ولم يصب حياؤه ولا حرمته بخدش.. ولولا الجيش التونسى ورئيس الحرس الجمهورى التونسى ما رحل بن على.. ولما انتصرت الثورة التونسية.. الخطر على تونس يكمن فى التطرف العلمانى، وفى دعاوى أنصار الشريعة الذين يدينون بالولاء للقاعدة، ويكفرون كل شىء حتى زعماء النهضة الكرام، بحجة أنهم لم يكتبوا نصاً عن الشريعة فى الدستور.. ناسين أن الشريعة حاضرة فى قلوب ونفوس التونسيين رغم غفلة بعضهم، أو عصيانهم أو تقصيرهم فى جنب الله. فهذه تنقص الإيمان، ولكنها أبداً لا تنقضه.. فالإيمان وشعبه ستبعث من جديد، وستدب فيها الحياة من جديد لتكون أقوى من أولئك الذين يكفرونهم بغير حق، ويريدون إدخال تونس فى دوامة التكفير والتفجير.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة