قبل أن يخرج المصريون من «حوسة» اختطاف الجنود فى سيناء، وجدوا أنفسهم أمام أكبر عملية من التشويش والارتباك السياسى، لسان حالهم «هَم يضحّك وهَم يبكّى»، والضحك هنا هو ضحك الحيرة، وغياب التصور السياسى، وتحول التعامل مع الإرهابيين الذين اختطفوا الجنود على الحدود إلى سيرك سياسى، يضاعف من خوفهم وحيرتهم.
الحديث عن مفاوضة الإرهابيين لإطلاق سراح الجنود يعطى تصوراً بأن هؤلاء ليسوا مجرد أفراد، لكنه يوحى بوجود قوة ضخمة تتحدى الدولة، وتهدد وحدتها. وحتى لو كان طبيعياً أن يتم التعتيم على التحركات الأمنية والعسكرية لضمان نجاحها فى تحرير الرهائن، فإن دور السياسة هو بث الطمأنينة، وتقديم خطاب متماسك وواضح.
لكن ما جرى هو ارتباك الخطاب السياسى من الرئاسة، وبدلاً من أن تقدم البيانات والمؤتمرات إجابات عن لهفة الأسئلة، فإذا بها تضاعف الغموض.. مساعدون للرئيس يتحدثون عن مفاوضات، ومتحدث ينفى التفاوض، ويتحدث عن تحركات، والخطاب مائع، ولا يخلو من طراوة لا تليق بالحدث، وأحزاب تجتمع مع الرئيس، بعضها ليس بعيداً عن حماية الخاطفين.
جرت العادة فى مواجهة الأخطار التى تهدد الأمن القومى أن يدعو الرئيس لاجتماع مجلس الأمن القومى الذى يضم القادة العسكريين والأمنيين والحكومة، وبدلاً من ذلك دعا الرئيس لاجتماع مع شيخ الأزهر، والمفتى، وبعض الأحزاب والجبهات المقربة للجماعة، ومع احترامنا لهؤلاء، فهذا ليس وقت الدردشة، بل وقت القرار، لمواجهة ما يهدد الأمن القومى. كان شيخ الأزهر وجماعة الضمير يشاركون فى اجتماع أمنى، فهل يجتمع مجلس الأمن القومى لإعلان هلال رمضان؟!
ثم إن السادة الذين تمت دعوتهم للاجتماع الأمنى من أعضاء الضمير أو أحزاب المشتملات خرجوا جميعاً ليتحدثوا فى كلام يدافعون به عن اتهامات غير موجودة، وتركوا قضية خطف الجنود والإرهاب وتفرغوا لمهاجمة المعارضة السياسية، وهو سلوك يكشف لنا عن «تفكير أجرد»، يفتقد الشعور بالمسؤولية، ويبقى ضمن «تنطيط سياسى» فارغ.
نحن بالفعل أمام حالة من التخبط السياسى لا تخفيها الاجتماعات، وجلسات الدردشة الرئاسية المختلفة التى لا تتناسب مع الحدث، ولا حتى مع الحالة السياسية المرتبكة، ثم بعد ذلك يتهمون الناس بأنهم لا يعرفون، ولا يفهمون الأفكار العميقة لدى الرئاسة، بينما الناس تتفرج على جلسات تحضير أرواح و«تسالى».. يخرج السادة المجتمعون بعدها فى حالة نشوة، يشكرون الرئيس على إشراكهم فيما لا يفهمون، فيزيدون الارتباك ارتباكا، والخلط اختلاطا، والنتيجة أن المصريين لا يجدون إجابات لدى الرئاسة عن أسئلتهم، بينما يشاهدون إجابات أخرى عن أسئلة غير مطروحة. وفى كل بلاد الدنيا المعروفة، فإن دور الخطاب السياسى هو توضيح ما يمكن توضيحه، لكننا أمام مؤسسات سياسية، تضاعف من حيرة الناس، لأنها تمارس الارتباك كقاعدة، وتترك الموضوع الأساسى الذى يتعلق بالأمن القومى.. ما يجرى فى سيناء إرهاب، وجماعات تسعى لانتزاع السيادة عن سيناء، وتحتاج لمواجهة واضحة، سياسية وعسكرية وأمنية، والرئيس مرسى ومؤسسة الرئاسة هما المسؤولان الأول والأخير، وعندما لا ينعقد مجلس الأمن القومى لبحث خطف جنود وتهديد الأمن، وبدلاً منه تنعقد اجتماعات وهمية، يصبح الوضع خارج نطاق الفهم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة