لو استمرت ماكينة حرق الرموز بنفس الهمة والنشاط والسرعة، فلن تبقى فى مصر شخصية عامة سليمة من التشويه، فالاتهامات تُقذف فى وجه الجميع؛ إما متآمرون أو خونة أو يتلقون أموالا من الخارج أو باعوا القضية، وكأننا نرفع شعار «يا عزيزى كلنا لصوص»، لصوص تسللوا تحت جنح الظلام ليسرقوا الآمال العريضة والأحلام الوردية فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فأصبحت كوابيس مزعجة خلقت حالة اكتئاب عام، ولو استعرضنا أسماء النجوم التى كانت تسطع فى سماء مصر منذ 25 يناير، لن تجد اسما واحدا خرج سليما من ماكينة حرق النجوم.
على سبيل المثال لا الحصر، ينادى البعض بانتخابات رئاسية مبكرة، و«لو» حدث ذلك -ولو تفتح عمل الشيطان- فمن هو الذى يصلح رئيسا لمصر الآن، وهل تنشق الأرض فجأة عن «زعيم مُنتظر» من غير الأسماء التى خاضت الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وجميعهم اكتوى بنيران الهجوم والتشهير والفضائح والحرق والاتهام بالفشل، وخسروا من رصيدهم الكثير ولم يقدموا للناس شيئا ملموسا يُرضى طموحهم، ويتساوى فى ذلك الرئيس فى قصره وشفيق فى دبى، وأبوالفتوح وخالد على وحمدين وجبهة الإنفاذ، وأيضاً الأحزاب الدينية والمدنية والجديدة والقديمة، وكل القوى السياسية التى خرجت من المولد بلا حمص إلا الإخوان الذين اقتنصوا الغنيمة لهم وحدهم.
أولاً: البلاغات الكيدية أصبحت سيفاً مسلطاً على رقاب الجميع، وتستغرق التحقيقات شهوراً بل سنوات، وإذا ثبت كذبها فلا عقوبة رادعة ضد مقدميها، بعد أن ينالوا من خصومهم بالتشهير والتجريس والفضائح، وتتبارى وسائل الإعلام فى التهليل والتطبيل لها، وعندما تثبت البراءة فلا اعتذار ولا نشر، ولن يتوقف هذا الاغتيال المعنوى إلا إذا تم تقنين هذه البلاغات لتكون البينة على من ادعى وليس على المدعى عليه، وأن تكون عقوبتها حاسمة ورادعة لتحمى الأبرياء من المكائد والصغائن، ولا تكون وسيلة لتصفية الحسابات، ثانياً: الغرف الإلكترونية التى تنشر تعليقات وشتائم وسبابا يندى له الجبين، وتتحايل تلك المواقع على جرائمها المشينة بعبارة «التعليقات على مسؤولية أصحابها»، ومعظمهم يندسون بأسماء مستعارة وغير حقيقية، مما يستوجب أن تكون التعليقات على مسؤولية الموقع الإلكترونى وليس الأسماء الوهمية، مع وضع الضوابط التى تحمى الأبرياء من انتهاك سمعتهم وشرفهم لأنها لم تترك أحداً إلا وسبته وقذفته دون رادع من قانون أو أخلاق أو ضمير.
ثالثاً: استعادة دولة القانون، والمسؤولية الأولى والأخيرة ملقاة على عاتق القضاة قبل الرئاسة، فمنذ أن تركوا منصاتهم العالية ونزلوا إلى الشوارع وتكالبوا على الفضائيات، سقطت هيبتهم واحترام الناس لهم وأصبحوا هدفاً ثابتاً لماكينة الاغتيال المعنوى، وشكك الناس فى أحكامهم وطاردتهم مظاهرات التطهير والحصار من التيارات الإسلامية، وأصبحت رأس العدالة مطلوبة على مقصلة قانون السلطة القضائية الجائر، وإذا حدث ذلك فعلى القضاء ودولة القانون السلام، رابعاً: ميثاق شرف للفضائيات يضعه العاملون بالفضائيات أنفسهم وبمبادرة منهم، وليس وزير الإعلام ولا مجلس الشورى حتى لا يولد مشوهاً وسوداوياً ومتربصاً، ويضع حداً لحالات الانفلات والتخوين والتكفير والتهييج والإثارة، ويوقف الحرب الأهلية بين القنوات الدينية والأخرى الخاصة، ويكون بديلا عن اللجوء إلى القضاء وصدور أحكام ضد الإعلاميين، فلو دارت هذه العجلة لن تتوقف أبداً وبدأت بالفعل فى الدوران، خامساً: استعادة هيبة منصب الرئيس، ليس من أجل مرسى ولكن من أجل مصر التى يجب أن يكون رئيسها هامة وقامة أمام مختلف الدول والشعوب، أيا كان اسمه أو انتماؤه السياسى، ويجب عليه هو الآخر أن يكون راعياً لمعارضيه قبل مؤيديه ومترفعاً عن الصغائر، ولا ينحاز لجماعة ولا عشيرة ويحافظ على هيبة الدولة وسلطاتها ولا يدس أنفه فى شؤونها، ولا يسمح بالتغول عليها أو إضعاف قوتها، دولة تُرسخ قواعد الهيبة والاحترام من قمة هرم السلطة حتى القاعدة، بدلا من تفكيك سلطات الدولة وإعادة أخونتها.