على مدى الأسبوع ما بين مقالين أجد أن عدد الكلمات المسموح لى بها فى مقالى تتضاءل أمام الأحداث التى أود التعليق عليها، ولكن ما باليد حيلة فلا أنا بقادرة أن أزيد، ولا مصر بقادرة أن توقف تدفق أحداثها الجسام، والتى يجمعها عنوان واحد «انتحر الخيال فى مصر أمام أحداثها.. انتحر الخيال».
1 - حين أعلن بعض الشباب عن حملة تمرد منذ أسابيع وباعتبارى ممن يُعملون العقل أحيانا كتبت أقول حتى لو جمعت تمرد 90 مليون توقيع فلن يتزحزح الإخوان عن موقعهم، فهم قد أتوا على كراسى الحكم بديمقراطية زائفة، وبالتالى فمن أتى بالزيف لا يمكن أن يرحل بالديمقراطية الحقة، ورغم هذا فإنى كما كتبت لا أستطيع ولا أود المصادرة على الحلم والخيال لدى الشباب لأن كل ما تقدم أحرزته البشرية كان نتيحة حلم وخيال لفرد أو مجموعة نعتهم الناس أحيانا بالجنون، وفى أفضل الأحوال بالجنوح، كل المخترعات البشرية، كل النظريات العلمية، كل الأعمال العظيمة وحتى المعجزات الإلهية والرسل قالوا عليهم حالمين أو مجانين ولكن انتشرت رسالاتهم وعمت الدنيا بالضياء.
ولكل ما سبق فإننى أيدت مبدأ الحلم رغم أن قدمى ويدى مغروسة ومغموسة بالواقع، ولكن ما هى إلا أيام وقرأت الإعلان عن حركة تجرد التى أطلقها الإخوان المؤيدون لمرسى وعشيرته لتعلن كالعادة أن الخيال انتحر فى مصر، أو على الأقل انتحر على يدى الجماعة التى لا تعرف الخيال وتسير على مبدأ السمع والطاعة الذى يتناقض تماما مع الخيال.
تجرد كما جبهة الضمير كما أفكار أخرى كثيرة تسرقها الجماعة من أصحابها وتطوعها لأهدافها وتهبط بها علينا وكأنها اختراع يا كوتش، فهى جماعة غير مبتكرة لفكرة ولا لمشروع ولا لحلم يجمعنا قدر ما يفرقنا.
ودعونى أضع أمامكم بعضا من الأمثلة البسيطة جداً على انتحار الخيال لدى هذه الجماعة، فلم يكفهم مثلاً أنهم سرقوا فكرة جمع التوقيعات من تمرد، ولكنهم أعلنوا منذ أيام أنهم جمعوا 7 ملايين توقيع تأييد لمرسى فى مقابل أن تمرد جمعت كما أعلنت 3 ملايين توقيع.
طيب بالله عليك أيها القارئ الكريم هل كان خيالك مهما كنت مؤيداً ومتعاطفاً مع مرسى يصل بك لأن تتصور أن تجمع حملة، أى حملة، فى أيام 7 ملايين تأييد لمرسى... لا تُجب وانزل اسأل أول عابر سبيل فى الشارع ربما يجيبك.
جبهة الضمير وما أدراك ما جبهة الضمير التى خرجت علينا رداً على جبهة الإنقاذ، والغريب والمثير أنهم يستخدمون نفس التعبيرات، دون أدنى محاولة للابتكار، وهو أمر جد غريب لأن للجماعة شبابها كما للمناهضين شباب، فإن كان المعارضون لكونهم شبابا مبتكرين فأين ابتكار شباب الإخوان فلا شىء يفسر فقر خيالهم إلا أنهم أهل السمع والطاعة.
2 - أحمد دومة شاب فى بداية العشرينيات عرفت اسمه مكتوباً على حوائط مصر، فحيثما ذهبت وجدت مكتوباً الحرية لأحمد دومة، وكان هذا منذ عامين، وكنت أتساءل من يكون هذا الشاب الذى كلما التفت وجدت اسمه مكتوباً على الجدران، ومرت بعض الشهور من حكم المجلس العسكرى وتم الإفراج عن دومة، وتعرفت عليه عن قرب، شاب حالم، وإن قالوا عليه ثورى، فالثورة فى الأصل حلم، ودومة من الحالمين بمصر جديدة.
هذا الشاب وغيره بالمئات من الحالمين يسكنون الدور الرابع فى سجن استقبال طرة متهمين بتهم تخلو من أى خيال، فدومة متهم مثلا بإهانة الرئيس.. وأظن أنها تهمة معلبة فضفاضة لو كانوا جادين فيها لوجب سجن أغلب شعب مصر بدون ذكر أسماء!
أحمد دومة وحمادة المصرى ومئات من الحالمين مسجونون لأنهم يُعملون خيالهم، فإن كنتم تسجنون الحالمين فهل تستطيعون أن تسجنوا الحلم والخيال... لا، ولكن الخيال ينتحر على أيديكم دون الحالمين، فلا أملك إلا أن أردد كلمات الأبنودى التى غناها على الحجار فى رائعة أسامة أنور عكاشة «أبو العلا البشرى» علكم تعونها: «ما تمنعوش الصادقين عن صدقهم، ولا تحرموش العاشقين من عشقهم، وإذا كنا مش قادرين نكون زيهم، نتأمل الأحوال، وندرس الأفعال، يمكن إذا صدقنا نمشى فصفهم».
3- فى خضم الأحداث والظلام الذى نحياه عمليا بسبب انقطاع الكهرباء يصبح الدخول للسينما نوعا من الهروب، فدور العرض حتى الآن لا تنقطع فيها الكهرباء وتصبح مشاهدة فيلم لمحمد سعد وسيلة للتحايل على كآبة الحياة، ولكن للأسف حتى محمد سعد، كما الإخوان والحكام انتحر الخيال تحت قدميه فهو يقدم لنا ذات ما يقدمه منذ بدايته، شخصية أقرب للعبط معوقة ورغم هذا تفعل الأفاعيل فى البطولة، ورغم هذا، فالجمهور يؤازر هذا الفيلم ربما لأنه يكاد أن يقف وحيدا فى سوق الأفلام المصرى، وربما لأنه تعبير عن حالة مصر دون قصد من صناع السينما.. انقطاع خيال وحالة عبط مستمرة، ورغم ذلك بطولة.. وفسرها كما شئت.