ها نحن نعيش أشهى لحظات الرومانسية مع حكومة الدكتور هشام الكهربائية، وتستمتع بفترات انقطاع الكهرباء طبقا للخطة الموضوعة، لتخفيف أحمال المواطن عن كاهل الدولة والنظام. بفضل الخطة العميقة التى تؤتى نتائجها فى إنتاج المواطن الأخضر المناسب للعصر الظلامي. بينما يستمتع الدكتور هشام بالإضاءة ولا يعانى من انقطاع الدورة الكهربائية. وبينما ينشغل مجلس الشورى الموقر بمناقشة قوانين غير عاجلة، لا يجد وقتا لمناقشة الظلام الذى يحل بالمواطنين ويطاردهم أينما حلوا وأينما ذهبوا.
والمجالس الجالسة عادة لا تنشغل بمثل هذه السفاسف، لأنها تكون مشغولة بموضوعات أخرى لا نعرفها، أو نعرف أنها تهم السادة فى الإرشاد وباقى الأسرة الحاكمة.
وكما نعرف فإن نظامنا السياسى الحالى من رئاسة وحكومة وشورى، لديهم خطط مختلفة، تقود إلى النهضة بدون كهرباء ولا ماء. وتهدف إلى إعادة تهذيب المواطن، وإجباره على الترشيد، غصبا عنه. ولهذا فإن اهتمامهم بالنهضة يفوق أى انشغال، ولا يعتبرون قطع الكهرباء أو غياب الأمن وقطع الطرقات، وخطف الجنود، من الأمور التى تثير الانزعاج أو تدفع للتفكير. أو تشكيل لجانا لتقصى الحقائق، لأنهم يرون أولويات أخرى لا تشغل بال المواطن العادى الذى يعتبر مجرد كمالة عدد، وكائن مزعج يستحق العقاب والإصلاح.
وعليه فعلى كل مواطن أن يحترم نفسه، ويبص على الجانب المضيء لأزمة الظلام وأن يتوقف عن التبرم والشكوى، لأن الحكومة بصراحة «مش فاضية له»، ولهذا فقد واصلت الصمت والتجاهل للأزمة، ومع أن كل الجهات المعنية والمخفية توقعت الأزمة لم تنشغل الحكومة، مع أن من أهم وظائف الحكومات أن تفكر فى الأزمات وتتوقعها وتسعى لمواجهتها، لكن حكومتنا الحالية تنشغل بأشياء ومهام أخرى وتتفرغ للعمل السياسى وتهوى الاستقرار، لدرجة أن تصريحات الدكتور هشام عن الانتخابات فى الداخل والخارج تفوق تصريحاته عن الظلام والكهرباء، بل أننا لم نسمع له حسا ولا كلاما عن الأزمة، ربما لأنه لا يعانى من قطع الكهرباء ولا يدخل ضمن تخفيف الأحمال، وربما يتساءل عن أسباب الغضب لدى شعب مصر الشقيق، بينما الكهرباء متوفرة فى منزله، مع أنها تنقطع حتى عن أقسام الشرطة ربما تضامنا ودعما للسادة اللصوص، الذين يمارسون حريتهم فى العمل والسرقة فى الظلام، بينما تتعطل الأقسام والشرطة عن ملاحقتهم. وبهذا يتوازى تخفيف الأحمال مع توزيع الدخل ودعم الانفلات الأمنى.
وبعد كل هذا لا يفترض أن يخرج لنا مواطن من هنا أو هناك، ليقول إن الحكومة تكذب أو أنها فاشلة، ولا تعمل، وتكتفى بالفرجة على الأزمة فى التلفزيون. أو يعترض شخص حاقد ويتهم الرئيس بأنه مسؤول عن أزمة الكهرباء، فالرئيس «لا كهربائى ولا بيفهم فى الكهربا»، بل هو مهندس دكتور، جاء بالصندوق. وليس مسؤولا عن تخفيف الحمل أو توزيع الكهرباء. وعواميد النور.
وعلى المقيمين داخلها أو خارجها مراعاة فروق الإنجازات، وتأمل شهادات النجاح ويعلم أنها إنجازات سرية، تدور تحت الأرض، مثل الحكومة. التى تكتفى بالفرجة على الظلام فى التليفزيون.