التسلط ليس وجهة نظر، والديكتاتورية ليست اختيارا، لكنهما طريقة فى الحكم، ليست فقط أسماء لكنها طريقة حكم. وطريقة إدارة. إذا تكررت تتكرر الأنظمة. ومثل بيت جحا ومغارة على بابا نكاد نقف فى نفس المكان بلا تقدم، ربما نسير للخلف. بفضل تمسك السلطة ومشتملاتها بالرأى ورفض أى انتقادات وملاحظات.
تصر جماعة الإخوان بمشتملاتها فى حزب الحرية والعدالة والوسط والضمير على السير فى الطريق الخاطئ، بنفس طريقة النظام السابق، حتى لو كان هذا على حساب البلد والمستقبل. وتعتبر نفسها أكثر فهما، وذكاء، بالرغم من أن تجاربها القريبة تكشف كيف تفشل فى كل خطوة، وتزيد الأمور تعقيداً.
آخر مثال على أن العناد يولد الكفر والظلم، هو ما جرى مع قوانين ممارسة الحقوق السياسية ومجلس النواب والانتخابات مع المحكمة الدستورية. وقبل ذلك الدستور المهلهل الذى أصرت أقلية الأغلبية على طرحه وتمريره بالرغم مما فيه من قنابل قابلة للانفجار. وبفضل هذا الدستور، نعود كل فترة إلى النقطة صفر.
أصدر مجلس الشورى الميمون من قبل مشروعا بقانون للممارسة والانتخابات، كان واضحا أنه يخلو من تكافؤ الفرص. وبسبب ثغرات الدستور، وجد الشورى نفسه أمام أزمة تعيد الشرطة والجيش للمعادلة السياسية لأن السادة الذين فصلوا الدستور نسوا وضع مواد تخص الفئات الخاصة. وحتى ذلك يمكن معالجته بالجدل والنقاش. فى المرة الأولى أصر المجلس على تفصيل الدوائر حسب ما يراه مصالح الجماعة، وقنن الدعاية الدينية التى تهدد بالطائفية والفتن، وأعادوه بالرغم من اعتراض الدستورية، ونفس الأمر فى تقسيم الدوائر.
والنتيجة أننا نعود للنقطة صفر وكأننا لم نتحرك خطوة، والسبب هو التمسك بالرأى الواحد، وأعراض التسلط التى أصابت الجماعة فى السلطة، التى أصبحت تتبنى ما كانت ترفضه وهى خارجها. وتدافع عن الباطل، وترفض تقنين تكافؤ الفرص والمساواة. والنتيجة مزيد من تضييع الوقت، وزرع الغضب والفرقة.
الأزمة أن النظام بكل مشتملاته يستند لنفس القواعد التى كانت سببا فى الثورة على النظام السابق. وكما قلنا فإن التسلط ليس وجهات نظر، لكن له علامات ودلائل، أهمها التمسك بالرأى والاستبعاد والاحتكار، وكلها تقود إلى العداوة والصدام.
الأزمة ليست فقط فى قوانين ناقصة ومليئة بالتناقضات، لكنها فى الأصل ترجع إلى «حوار الطرشان.. وسياسة القربة المقطوعة».
كان الحل فى حوار حقيقى ومصالحة وطنية، بدلاً من رأى واحد بتنويعات مختلفة. الأزمة فى انقطاع الحوار بين السلطة ممثلة فى الرئيس والجماعة وحزب الحرية والعدالة ومشتملاته من جهة، وبين التيارات السياسية المعارضة بتنويعاتها اليسارية والليبرالية. حدث فى الجمعية التأسيسية للدستور بقيادة المستشار الغريانى، وفى تفصيل وإعداد القوانين بقيادة الدكتور أحمد فهمى رئيس مجلس الشورى.
الإخوان يرون أن التيارات الأخرى ترفض التعاون والمشاركة، تستبعد الآخرين وتتصرف بنفس طريقة الحزب الوطنى، تراجعوا عن كل وعودهم وتمسكوا ومازالوا برأى واحد مع الرغبة فى احتكار السلطة. ورفض التفاعل مع أى من المطالب أو المبادرات، بما أدى إلى قسمة وصدامات واستقطابات.. كل هذا أدخل البلد فى أزمة، تعيدها كل مرة للنقطة صفر.