ناجح إبراهيم

تونس بين تطرفين

الثلاثاء، 28 مايو 2013 07:23 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مكثت قرابة أسبوع فى مدينة تونس الخضراء الرائعة عاصمة الدولة التونسية الشقيقة فوجدت شعباً طيباً متسامحاً ودودا وخطباء وأئمة للمساجد يحبون الوسطية الإسلامية ويعشقون الحكمة والأناة.. ويكرهون الإفراط والتفريط سوياً.. والعلمانية والتكفير معاً، ووجدت هؤلاء وأمثالهم من أهل الإيمان العميق والبسيط واقعين بين مطرقة التطرف العلمانى وسندان التكفير الذى يتدثر هناك بأسماء مختلفة كلها تنسب نفسها زوراً وبهتاناً إلى السلف الصالح تارة أو إلى الشريعة أخرى، فالسلف الصالح لم يكن يكفر أحداً من أهل القبلة.. وكان خلاف الصحابة والتابعين هو خلاف راجح ومرجوح.. وصواب وخطأ.. وليس خلاف كفر وإيمان. فنصرة الشريعة لا تعنى تكفير المسلمين ولكنها تعنى هدايتهم للحق.. وترغيبهم فيه والرفق والرحمة بهم.. والدعاء لهم لا عليهم. فالعلمانية تريد افتراس تونس وبقاءها مظهراً وجوهراً تحت لوائها ورايتها.. ولا تريد لتونس أن تخرج من عباءتها.. ولا تريد للمرأة التونسية أن تتمسك بتعاليم الإسلام.. تريد أن تظل الإجازة الرسمية الأسبوعية يومى السبت والأحد.. تريد الإسلام معزولاً عن الحياة.. محصوراً فى المساجد.. بعيداً عن الشباب. فاليسار التونسى يحارب معركة شرسة من أجل البقاء بنفس الصورة القديمة دون أن يطور نفسه أو يراجع أدبياته أو يغير من أطروحاته القديمة أو يتصالح مع الإسلام وينصف حضارته، ناسياً أن روسيا نفسها صاحبة الفكرة الأساسية غيرت ثوبها بل خلعت ثوب الشيوعية البالى.
لقد أراد اليسار أن يشل حركة حزب النهضة.. وذلك بعمل إضراب شامل فى كل مناحى الحياة التونسية.. ولكن جموع الأئمة وخطباء المساجد استطاعوا إفشال هذا الإضراب الذى كان يعد بمثابة الانقلاب الناعم على حركة النهضة.
والعلمانية واليسار فى تونس يختلفان تماماً عن مصر.. فى مصر هناك مصالحة بين هذه القوى وبين الإسلام.. حتى إن اختلفت مع الحركة الإسلامية نفسها.. فالعلمانية التونسية قريبة الشبه بالعلمانية التركية المتوحشة.. وهذه تريد أن تشد المجتمع التونسى مرة أخرى إلى الفرنسة والتغريب ولا تريد الاقتراب من الهوية الأصلية للمواطن التونسى البسيط الذى حفر الإسلام فى قلبه وفؤاده أعمق معانى الإيمان واليقين التى لم تمح رغم سنوات الاستعمار والتغريب والقهر. لقد فقدت العلمانية التونسية سوطها وسيفها الذى كان يجبر التونسيين قسراً على إخفاء بعض ملامح هويتهم الإسلامية. أما الخطر الآخر على تونس فهو سندان التكفير والتفجير إذ ينتشر فيها بسرعة البرق.. ويلاقى هوى لدى بعض الشباب قليل العلم الذى يستهويه أن يكون مستعلياً على الآخرين.. ويرى نفسه فوق المجتمع أو إلى جواره.. ولا يرى نفسه بداخله أو جزءًا منه وواحداً من أبناء أمته وأخا لهم كما تحدث القرآن عن الرسل جميعاً «وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً».. «وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً» «وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً» فهو أخ لهم رغم أنهم لم يسلموا بعد.. هو أخ لمجتمعه حتى قبل أن يسلم. فكيف بهؤلاء الذين يعيشون فى مجتمع مسلم يعرف ربه وفيه من هم أعلى إيماناًويقيناً وصلاحاً منهم؟!
قابلت أحدهم فوجدته يكفر حزب النهضة والرئيس التونسى بل والجيش التونسى فناقشته طويلاً فى ذلك ثم قلت له: ما هى الشهادات العلمية التى حصلت عليها؟
قال: لم أحصل على شهادات على الإطلاق؟
قلت متعجباً: وتتحدث فى أخطر المسائل الدينية التى يمكن أن تدمر الكون.
قال: وهل حصل الرسول على شهادات؟
قلت: نعم.. وأعلى الشهادات.. ألم تقرأ قوله تعالى «عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى».. إنه تخرج مباشرة من مدرسة سيدنا جبريل.
وخطورة هؤلاء أنهم يعطون أكبر الذرائع لضرب الدعوة الإسلامية وتدميرها.. إذ إن العلمانى واليسارى لن يفجر أو يدمر وسيكتفى بالكلمة والفعل السياسى فقط.
أما هؤلاء فالتفجير أسهل شىء عندهم.. إنهم يعشقون فكر التفجير وفكر أصحابه كما لمسته فى كل من قابلته.. ولولا أن الأمن والجيش هناك فى منتهى القوة والحزم لتحولت تونس إلى ساحة حرب.
لقد أدى تعنت هؤلاء إلى عودة الملاحقات الأمنية لهم من قبل الشرطة.. ولم يستطع حزب النهضة أن يحول بين الشرطة وبين ذلك.. خاصة بعد إصابة 16 من جنود الجيش التونسى عند حدود الجزائر فى عملية لبعضهم.. وإصابة شرطى تونسى على أيدى أحدهم وهو يهتف قائلاً: يا كافر. والأغرب من ذلك أن جميع الخطباء والأئمة التونسيين يكرهون هذا الفكر.. ولكنهم قليلو الحيلة.. لا يدرون ماذا يفعلون.. ألم أقل لكم إن تونس بين تطرفين!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة