منذ أعلنت المحكمة الدستورية قرارها بشأن قانون مباشرة الحقوق والانتخابات، دخل طاقم السلطة الجديد فى مجلس الشورى وحزب الجماعة وتابعيه فى مأزق، وأصابتهم حالة من الحساسية والهرش القانونى والدستورى. فى الدول الطبيعية يسعى القانونيون والدستوريون لتنفيذ الملاحظات أو مواجهتها بردود قانونية ودستورية. لكن عندنا انتصب سيرك سياسى على الهواء، استكمالا للحالة التفصيلية التى أصابت كبار الترزية وخبراء اللت والعجن والمؤامرات داخل وخارج جماعة الإخوان، تجد من يترك الموضوع ويفضل البحث عن مؤامرات من قبل المحكمة الدستورية، التى لا يحمل تجاهها الجماعة أى نوع من الحب، ومعهم باقى الملحقات، ويعتبرون أى تصرف من المحكمة عدوانا وليس تصحيحا وتقويما. لا يعرفون الفصل بين السلطات، ولا يشاهدون محاكم العالم وهى تصدر أحكاما تصحح بها تصرفات السلطة التنفيذية.
وإذا نظرنا إلى قرار الدستورية بخصوص منح الجيش والشرطة حق التصويت والانتخاب، نحن أمام مأزق يحتاج بالفعل إلى نقاش عام بدلا من الاكتفاء بلطم الخدود وشق الجيوب.
المحكمة أباحت للجيش والشرطة ما كان ممنوعا، استنادا لنصوص دستورية نسى السادة الترزية الكبار فى التأسيسية أن يقيدوها، أو يحصروا الفئات التى يتم منعها من ممارسة الحقوق السياسية. واستخدمت المحكمة حقها فى الرقابة السابقة، وقد يختلف المختلفون حول هذا، بين من يرى أن مشاركة الجيش والشرطة فى الانتخابات بالتصويت والترشح تفتح الباب لتحزيب هذه المؤسسات التى يفترض فيها الحياد. ويرى آخرون أن الإباحة تعيد لهم حقا لأنهم مواطنون من حقهم أن يختاروا ممثليهم، لكن المفارقة أن من يعارضون تصويت الجيش والشرطة، خوفا من التحزيب يؤيدون ضباط اللحية مع أنهم متحزبون يريدون تحزيب الشرطة، وهى ازدواجية تكشف لنا عن الخلط والغرض الذى هو مرض بلا علاج.
النقاش حول تصويت الجيش والشرطة يمكن أن يكون مهما لولا ظهور أعراض الازدواجية والهرش القانونى لدى بعض السياسيين مثل النائب السابق ممدوح إسماعيل الذى دعا لإغلاق المحكمة الدستورية من الأصل، وبالرغم من أنه محامى درس القانون ويعرف ما يسمى الفصل بين السلطات، يبدو أنه فكر وتعمق وأعلن «المحكمة الدستورية أحكامها مسيسة ضد الثورة والوطن والشعب.. أقترح عرض حل المحكمة الدستورية، وتقييد سن المعاش للقضاة عند سن الستين فى استفتاء شعبى».
وهذا النوع من التفكير قد يبدو خارج سياق العقل والمنطق، لكنه يكشف عن العقليات التى تصدرت السياسة، وكيف حول كل واحد نفسه إلى متحدث رسمى باسم الشعب ووكيل رسمى للثورة، وطبعا لو فتشنا نكتشف أن المذكور يشعر بغضب خاص لأن المحكمة عندما أصدرت حكمها ببطلان مجلس الشعب السابق، وتعرضت مصالح السيد المذكور وأمثاله لأضرار، وبالتالى لا يفكرون فى مصلحة وطن، ولا فصل بين السلطات، ولا باقى المبادئ التى استقرت عليها الأمم الحديثة، ويفضلون الطريقة «البلهنية». هذه العقليات الجرداء، هى التى حاصرت المحكمة الدستورية، وهناك من حولها نوعيات أخرى تعلن نفس الآراء، بطريقة أكثر شياكة.
ودعوة ممدوح لإغلاق الدستورية وإلغاء القضاء، هى شعور لدى قطاع لا يستهان به من أنصار السلطة الجديدة، ممن يريدون العمل بلا رقابة والتصرف بلا قضاء. طبقا للنظرية البلهنية الازدواجية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة