كلما عدت إلى بداياتى الصحفية أطل الأصدقاء والأساتذة الثلاثة، حمدين صباحى وأمين إسكندر وأمل محمود التى رحلت عن دنيانا يوم الأحد الماضى.
كنا فى منتصف الثمانينيات من القرن الماضى، وتحت قيادة الثلاثة تأسس مركز إعلام الوطن العربى «صاعد» الذى كان يقدم الخدمات الصحفية لصحف ومجلات عربية عديدة، وكنت مع أصدقاء كثيرين ملء السمع والبصر الآن فى الصحف المصرية، نعمل فيه تحت قيادة الثلاثة، وتحتاج تجربة هذا المركز لتأريخ، لما قدمه من صحفيين أكفاء لمهنة الصحافة، ودورا تنويريا وفكريا كبيرا، ولما قدمه من تجربة نضالية ضد نظام مبارك، شهدت اعتقالات عديدة للعاملين فيه. وجدنا فى المناضلة المحترمة أمل محمود أما وأختا وضميرا ناصعا وطاقة إنسانية ونضالية لا تهدأ، كان يتوافد على «المركز» الكثير والكثير ممن كانوا معها فى اتحاد طلاب جامعة عين شمس فى نهاية ستينيات ومطلع سبعينيات القرن الماضى، وممن كانوا معها فى تأسيس النادى السياسى بالجامعة، الذى ناضل فى صفوف الطلاب من أجل مكتسبات ثورة يوليو 1952 وكانت «أمل» بالنسبة لهم هى ضابط الإيقاع، والأخت الحنون، وسمعت من أحدهم قوله: «كانت أول من يستيقظ فى معسكراتهم الطلابية، وآخر من ينام سهرا على خدمتهم، وأن النظام كما ينبغى كان وسيلتها فى ضبط أى مهمة تسند لها فى أى نشاط طلابى، ولهذا كانت قائدة دون أن تطلب، وأختا بقلب يحمل محبة عظيمة للآخرين».
كانت تجربتها الطلابية النضالية هى حنينها الدائم، وكان لكل واحد فى هذه التجربة مساحة فى قلبها وذكرياتها الجميلة، ويظهر ذلك عليها غضبا لو تحدث أحدنا بالسلب عن شخص أحدهم: «خلى بالك ده من عين شمس»، كان ذلك تعليقها الذى ترد به ضاحكة مضيفة: «انقد فى السياسة زى ما انت عايز وبس»، كانت ضحكتها كفيلة بإيصال رسالتها النبيلة إلينا، فنعدل من مسارنا، ونلتقط منها جانبا يدل على عمق أصالتها، ومن اتبع مثلها فى هذا النهج فاز فوزا عظيما، فحين يتفرق الأصدقاء بحكم ضرورات، لا تبق غير السيرة العطرة التى يزينها قول: «لسانك حصانك إن صنته صانك»، كانت أمل ابنة هذه المقولة بامتياز عظيم، ولأنها كذلك بقيت فى قلوب من عرفها، ومهما باعدت الأيام كان الحنين إليها بكل قيمها غلابا.
هكذا عرفت أمل محمود فى بداياتى الصحفية، وهكذا عرفها أصدقائى الذين عملنا سويا تحت قيادتها، التى لم يكن حسم الإدارة عنونها وفقط، وإنما رحابة الإنسان بعقله وقلبه وصلابته معا.
خاضت أمل تجربة العمل النقابى فى شركتها، وكانت عونا، وعنوانا لثقة زملائها وكان ذلك ضمن تجربتها النضالية فى الشارع حيث التواجد فى كل الميادين التى تناضل ضد نظام مبارك، وكانت من طليعة الذين تصدوا لتجربة الحزب الاشتراكى العربى الناصرى تحت قيادة المناضل الراحل الكبير فريد عبدالكريم، ثم الحزب الناصرى بقيادة ضياء الدين داود، فتجربة حزب الكرامة، والعمل بكل قوة فى مجالات منظمات المجتمع المدنى التى تنتصر لحقوق المرأة.
كانت آخر لقطة بعثتها إلينا أمل محمود صورتها من على فراش المرض، وهى توقع على استمارة «تمرد»، لكنها غادرتنا قبل أن ترى ثمار نضالها الكبير، رحمها الله برحمته الواسعة وأسكنها فسيح جناته.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة