«اللهم رب الناس ملك الناس أذهب البأس واشف أنت الشافى» حديث نبوى.. الذى تمنيت له الشفاء إنسان عزيز علىّ أصيب بكسر فى العمود الفقرى الفقرة الثالثة، وكان يصرخ من الألم والوجع وصعوبة الحركة، ولكن الأكثر وجعاً وألماً هو الأطباء الذين اختلفوا فى التشخيص من النقيض إلى النقيض.
الطبيب الأول استخدم معنا أسلوب «الصدمة والرعب» وأصر على إجراء جراحة عاجلة بعد يومين على الأكثر، بفتح الظهر وتركيب شريحة معدنية بأربعة مسامير، وبعدها ينام المريض ثلاثة شهور كاملة حتى يلتئم الجرح، لأن الكسر حسب قوله دخل على الحبل الشوكى حسب كلامه «سأعود لاحقا لحكاية الحبل الشوكى»، وتأخير الجراحة يؤدى لنتائج خطيرة لا يمكن علاجها، ولم يكتب روشتة ولا مسكنا للآلام المبرحة، ثم التفت للمريض قائلا «حظك وحش لأن الكسر كبير ولكن متخفش أنا عندى حالات كتيرة مشابهة كل يوم»، «يالا يا جماعة احجزوا فى مستشفى كذا وبلغونى»، وبالطبع كان لابد من استشارة طبيب آخر قبل اتخاذ قرار الجراحة الخطير.
الطبيب الثانى عيادته مثل محطة مترو أنفاق رمسيس «اللهم لا حسد»، معندوش وقت ولا يهتم بتاتاً بكلام المرض، وبعد فحص الأشعات قال: أمامكم طريقتان، «إما حقن الفقرة المكسورة بأسمنت طبى عن طريق إبرة كبيرة فى الظهر، أو بتركيب شريحة ومسامير بالمنظار وليس الفتح بالمشرط. المسألة بسيطة وأنا بعمل العمليات فى ثلاثة مستشفيات اختاروا بينها»، وترك الغرفة مسرعا ليسلمنى مساعده ورقة مطبوعة بالتكاليف فى كل مستشفى، الحقن بالأسمنت الطبى 28 ألف جنيه، والشريحة 39 ألف جنيه «احجز وكلمنى».
الطبيب الثالث ينطبق عليه قول «سيماهم فى وجوههم»، هادئ ووقور ومبتسم ومتفائل ومتدين وبعد فحص الأشعات والمريض بدقة، فاجأنى بالقول أن الحالة بسيطة وليست خطيرة ولا تحتاج جراحة عاجلة بل علاجا بالحقن والأدوية وحزام طبى لمدة ثلاثة أسابيع ثم يُعاد تقييمها.. وبالفعل بدأ التحسن وزوال الألم والمشى والحركة بعد أخذ العلاج، أما المفاجأة فكانت فى قوله إن الكسر ليس عند الحبل الشوكى الذى ينتهى قبل هذه الفقرة -على عكس ما قاله الطبيب الأول- الذى كان يتعجل الجراحة، وربنا سلم وكفانا شر الجراحة الخطيرة وتوابعها.
لا أستطيع أخلاقياً ولا مهنياً أن أذكر اسمى طبيبى جراحة التيك أواى -إذا جاز التعبير- ولكن الطبيب الثالث إذا كان ضرورياً أن أذكره بالخير فهو الدكتور ياسر المليجى أستاذ جراحات العمود الفقرى، ولولا أن هدانا الله إليه لكان الموقف شديد الصعوبة، ولكن السؤال هنا: هل يخضع الطب فى مصر للآراء الشخصية من النقيض إلى النقيض بهذا الشكل الفادح؟، ومن يحمى المرضى من الجشع والتجارة دون النظر لآلامهم ولوعة واحتياج ذويهم؟، وما فائدة الأجهزة والأشعات والرنين والمقطعية، إذا كان كل طبيب يقرؤها حسب رغبته الشخصية؟ وإذا كان هذا هو حال المستشفيات الاستثمارية والأطباء الكبار، فما بالنا بالمستشفيات الحكومية المتدهورة وأطباء الأرياف حديثى الخبرة والمستوصفات ومعامل بير السلم، وبقية أركان المنظومة الطبية المتهالكة مهنيا وأخلاقيا من بعض الأطباء، فى ظل انعدام قواعد المساءلة والحساب وسيادة الاستغلال والجشع، ومن يحمى المرضى المعذبين فى الأرض سواء كانوا قادرين أو محتاجين، ومتى يصبح العلاج الكريم حقاً من حقوق الإنسان دون استغلال أو أخطاء فادحة؟ لا أملك إلا الدعاء «اللهم أنت الشافى، فاشف كل مريض».