معذور المواطن المصرى، كل الأشياء من حوله أصبحت قابلة للانفجار فى وجهه، أصبح يعيش فى قلب حقل من الألغام، يتحسس خطواته فى حذر، يسرق منه ضحكته وراحة باله وحقه الإنسانى فى حياة هادئة، وأوقات فراغ يستمتع خلالها بالتفكير والتخطيط للمستقبل.
معذور المواطن المصرى يسير وبداخل قلبه وعقله يقين راسخ، بأن خطوته القادمة إن نجت من أفخاخ الانفلات الأمنى، فلن تنجو من قنبلة اقتصادية تحول أسرته إلى أشلاء، وإن نجا من الأولى والثانية فلن ينج أبدا من انفجار لغم قرار سياسى غير حكيم من رئيس غير مسؤول، ولا يعرف للاتزان النفسى والعقلى معنى، وإن نجا من الأولى والثانية والثالثة، فلن ينج من انفجار لغم غباء أهل السلطة فى وجهه، وفى وجه مستقبله بقرار مثل الصكوك أو الاقتراض الخارجى، وإن تحسس المصرى خطواته وأفلح ببركة المولى عز وجل فى تجاوز الأولى والثانية والثالثة والرابعة، فهو بكل تأكيد ضحية اللغم الأكبر والأخطر.. لغم التحريم.
التحريم وما أدراك ما التحريم.. هذه السحابة السوداء التى أصبحت تظلل كل بقاع تحركاتك وحياتك على أرض مصر، منذ أن تخيل هؤلاء الذين يقدمون أنفسهم فى أثواب رجال الدين، أن السلطة قد دنت وتدلت وتهادت بين أيديهم التى كانت مغلولة من قبل بكلابشات الخوف من أمن الدولة، وانطلقوا.. لا للإصلاح أو المساهمة فى نشر خطاب دينى مختلف، يحرص على لم شمل الوطن الممزق.. بل نحو إشهار سلاح التحريم على كل صغيرة وكبيرة وكل شهيق وزفير يخص الأراضى المصرية، والمواطن المصرى بكل أنواعه.
شهوة ما بعدها شهوة، انطلقت دون ضابط أو رابط لتحرم هذا، وتفتى بعدم جواز ذلك، وبحرمانية تلك، وعدم مشروعية الفعل الفلانى، أو الإقرار بأن هذا إثم، وهذه فى النار، وبعض من هؤلاء مهدور دمهم، والابتسامة فى وجه أولئك تأخذك إلى جهنم.
حينما أحدثك عن فتاوى التشدد والغلو والتطرف، عن ثقافة التحريم التى تتسرب وتتوغل وتنتشر فى مجتمعنا وفى أرضنا، وتحتل الكثير من مساحات الحركة فى أيامنا، فأنا لا أدعوك إلى جدل فقهى، أو بحثى فى مسألة دينية، أنا فقط أختبر معك نوعا آخر من النقاش يخص التوقيت الصعب، والظروف القاسية والمرتبكة التى نعيشها، ولا يشعر بها شيوخ التطرف والغلو، ويخلطون الأولويات فيتركون ظلم الحكام وفسادهم وجوع الأطفال وتشردهم، ويهرولون نحو تحريم أعياد ميلادك، وعيد أمهاتك وتهانى إخوانك فى الوطن، وغيرها من التفاصيل الحياتية الصغيرة والبسيطة التى تمارسها يوميا، وأنت ترفع شعار طلب الستر والبركة من الله.
باب الحرام الذى فتحه شيوخ التطرف علينا، وسمحوا لريح التخلف والقتل والتعصب والكره بأن تمر من خلاله، وصل بنا إلى حيث تحريم خروج المصريين فى نهار مثل نهارنا هذا للاحتفال بالربيع، أو شم النسيم، أو أكل الفسيخ بناء على فتوى تقول بعدم جواز احتفال المسلمين بأعياد شم النسيم، بل وحض المسلمين على منع مشاركة الآخرين بهذه الاحتفالات، وفى هذا الخصوص ومن على موقع صيد الفوائد، يقول الشيخ محمد بن إبراهيم أنه لا يجوز الاحتفال بشم النسيم، أو مشاركة المحتفلين به فى احتفالهم، أو حضور الاحتفال به؛ وذلك لما فيه من التشبه بالفراعنة الوثنيين، ثم باليهود والنصارى، والتشبه بهم فيما يخصهم محرم، فكيف بالتشبه بهم فى شعائرهم؟! ولا يجوز للتجار المصريين من المسلمين أو فى أى بلاد يحتفل فيها بشم النسيم، أن يتاجروا بالهدايا الخاصة بهذا العيد من بيض منقوش، أو مصبوغ مخصص لهذا العيد، أو سمك مملح لأجله، أو بطاقات تهنئة به، أو غير ذلك مما هو مختص به؛ لأن المتاجرة بذلك فيها إعانة على المنكر الذى لا يرضاه الله تعالى ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم- كما لا يحل لمن أهديت له هدية هذا العيد أن يقبلها؛ لأن فى قبولها إقرارا لهذا العيد، ورضاً به.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة