هذا هو عنوان ورقتى التى قدمتها فى المؤتمر التركى – العربى الثالث للعلوم الاجتماعية، لم تكن التيارات غير الإسلامية بمعناها الواسع فى عداوة مع التيار الإسلامى كما نراها اليوم، كان هناك ما يمكن أن نطلق عليه «صراع النماذج»، فقد كان هناك علمانيون فى أوائل القرن الماضى، يرون أن النموذج الغربى هو عنوان العقلانية والمدنية والتقدم، ومن ثم يجب أن نستلهمه لإنجاز عملية التقدم، والتغلب على الانحطاط والتراجع فى العالم الإسلامى، بدأ هذا الجدل فى الواقع مع مطلع القرن التاسع عشر، الانبهار بالنموذج الغربى ورفاعة الطهطاوى، وحديثه عن المدنية الغربية بعد ذهابه لباريس يعكس ذلك، لكنه كان ينطلق من أرضية إسلامية للبحث عن نقطة توافق.
مع مطلع القرن العشرين، ظهر علمانيون يتحدثون من أرضية مجاوزة للتوافق مع المدنية الغربية من منظور إسلامى، كما فعل الطهطاوى، وخير الدين التونسى مثلاً - عن أن الغرب وحده هو الشفاء لأدوائنا، طه حسين، وسلامة موسى، وعبدالعزيز فهمى، وأحمد لطفى السيد، والشيخ على عبدالرازق وغيرهم، وظهرت فى هذا السياق جماعة الإخوان المسلمين التى كانت ترد بأن الإسلام دين ودنيا، وأن علاج أدوائنا هو العودة للهوية الإسلامية، وبالطبع كان هناك جمعية الشبان المسلمين، وجماعة أنصار السنة ومثقفون مثل شكيب أرسلان، ومحب الدين الخطيب وغيرهما.
ساندت النظم التى عرفها العالم الإسلامى بعد الاستعمار التيارات المتحدثة باسم الغرب فى بلادنا، وكانت دساتيرها علمانية، رغم اعتراف خفيض وباهت بأن الإسلام هو دين الدولة، كان البحث خارج الهوية الإسلامية لمشروع نهضة العالم الإسلامى يخايل المثقفين فى بلادنا، ومع ظهور الوجه القبيح للرأسمالية الغربية، وأيضاً الوجه العسكرى المسلح لها، ومع زرعهم الكيان الصهيونى فى بلادنا، بدأ البحث عن حل فى مشروع اليسار الغربى – الماركسية والشيوعية، وأفكار العدالة الاجتماعية، وظهر حتى داخل الحالة الإسلامية من تحدث عن اشتراكية الإسلام مثل مصطفى السباعى – كما تحدث خالد محمد خالد من قبل عن فصل الدين عن الدولة فى كتابه من «هنا نبدأ» وردعليه الشيخ الغزالى وقتها بكتابه «من هنا نعلم».
الأجيال الجديدة من التيار العلمانى والإسلامى معا، حاولت البحث عن إعادة تعريف لمفاهيمها.. فالإسلاميون أعادوا تعريف العلمانية، وبحثوا عن الوجه غير المخاصم للدين والإنسان فيها، وفرق المسيرى بين العلمانية الشاملة والجزئية، وتبعه الغنوشى، وهناك أطروحات فى هذا السياق لسعد الدين العثمانى فى المغرب، وبدأ إسلاميون وأنا منهم يقولون بالتمييز بين الدينى والسياسى، وليس الفصل بينهما، وعلى الجانب العلمانى بدأ الحديث عن المدنى باعتباره الوجه الإنسانى وغير المخاصم للدين فى العلمانية، وهنا لا تكون العلمانية أداة للقمع والقهر، كما حصل فى كل النظم السياسية المستبدة التى حكمت العالم العربى.
وحد النضال ضد النظم السياسية المستبدة العلمانيين والإسلاميين على المستوى السياسى، كما عرف الجيل المعاصر من الفريقين تجارب مشتركة للتقارب منها المؤتمر القومى – الإسلامى مثلا، ولكنه وبعد الثورة ووصول الإسلاميين للسلطة، تحول البحث عن النقاط المشتركة تلك إلى البحث عن نقاط الصراع، فقد استكثر التيار العلمانى على الإسلاميين وصولهم للسلطة، ويريد حتى ولو بشكل غير واع - إظهار عجزهم وفشل نموذجهم.
وعلى صعيد الإسلاميين، فقد تحقق حلمهم بالسلطة التى اعتبروها عصاهم السحرية لتحقيق نموذج الحكم الإسلامى، وأن ذلك يتطلب نقاء الصف، ووحدته القائمة على التطهر العقدى، والخلاص من كل ما يعكر وحدة الصف الإسلامى، شرط تحقيق حلم الدولة الإسلامية، فبالغوا فى نفى كل ما عداهم.
هنا الأزمة فى مصر اليوم، كيف يتخلص الإسلاميون والعلمانيون معا من أسر نماذجهم المغلقة، لينفتحوا على أمة وجيل ومجتمع جديد بحاجة إلى نموذج مصرى مفتوح لكسر الاستبداد والتخلف، والأخذ بيد مصر إلى عالم جديد من الحرية والعدالة الاجتماعية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة