لا يظن أحد أن هناك من يتربص بالرئيس، أو أن هناك من يزايد على أحد فى قضية تتعلق بمياه النيل، لكن فى كثير من الأحيان يكون الشكل والإخراج والتنظيم للوقائع والأحداث مهما.. ولو افترضنا حسن النوايا، تأتى نيات أخرى لتفسدها.
نقول هذا بمناسبة خطاب الرئيس.. نظريا تضمن خطاب الرئيس مرسى أمام المؤتمر، مساء أمس الأول، كل العناصر التى كانت مطلوبة، فقد هدد الرئيس كل من يحاول الاعتداء على حصتنا من ماء النيل، كما أنه دعا للتوافق الوطنى، وأعلن استعداده للحوار الوطنى والذهاب إلى المعارضة.
عمليا ومن ناحية التوقيت والشكل فقد بدا الأمر جزءا من المشهد المرتبك للنظام السياسى.. دعك من كونه جاء متأخرا عن موعده، وكشف عن تأخر اكتشاف أخطار هى موجودة بالفعل، تماما مثلما جاء الحديث عن الاصطفاف والمصالحة الوطنية بعد شهور، فقد كان كثيرون ينتظرون هذه الخطوات مبكرا، وألا تقتصر على دعوات عامة.. ثم طريقة إخراج الخطاب وتوقيته.
تكرر خطأ سابق بأن ألقى الرئيس خطابه وسط حشد من المؤيدين تم شحنهم فى أتوبيسات من القاهرة والمحافظات، وهى طريقة لم تعد تناسب التحولات التى شهدتها مصر، ولا يجوز تبرير هذا الشحن والحشد بأنه كان يحدث فى عهد مبارك، ثم إن خطابا يلقيه الرئيس للشعب يفترض إما أن يكون متلفزا، خاليا من الجمهور، أو أن يتم وسط جماهير عامة، وليس فقط مؤيدين.
ثم إن الخطاب تلاه لقاء للرئيس بعدد من الأنصار المنتمين لتيارات إسلامية بعضهم متورط فى تصريحات عدائية وتهديدات للمتظاهرين، كما أن بعضهم قيادات فى جماعات ارتكبت جرائم إرهابية، حتى لم تعتذر عنها، وعندما يتزامن هذا مع خطاب الرئيس حول التوافق تثور شكوك حول هدف الاجتماع. ثم إن الاجتماع مع بعض دعاة العنف فى اليوم التالى لاغتيال ضابط فى سيناء يلغى أى أثر لعزاء قدمه الرئيس لأهل الشهيد.
كل هذا يكشف عن ارتباك وسط الفريق الذى يجهز لهذه الخطوات معا، والذى يقود دائما إلى التباس فى المواقف والتفسيرات، ثم إنها تجعل من الصعب تصديق الحديث عن المصالحة. وهل من رتبوا لذلك يقصدون إرسال هذه الرسائل، أم أنه فاتهم هذه المفارقات. وفى الحالين نحن تجاه فريق إما سيئ النية أو فاشل. وكان على الرئيس أن يكتشف طوال هذه الفترة من يريدون توريطه، ويصبون فى نهر الخلافات وإشعال النار. خاصة أن الوضع السياسى لم يعد يحتمل هذه الحالة من الاطمئنان. وكان على الرئيس أن يعيد قراءة تجربة ماتزال قريبة جدا. نقصد بها تجربة مبارك ونظامه.
نقول إن خطاب الرئيس تضمن كل القضايا على اختلال فى الترتيب والتنظيم، فالتهديد فيما يخص ماء النيل يفترض أن يأتى من جهات أخرى غير الرئيس، وأن يتم الفصل بين قضية النيل التى تمثل تحديا خارجيا. كما أن التهديد أمر سياسى قليله يكفى مثل ملح الطعام، وهو جزء من سيناريو سياسى كامل.
أما عن قضية المصالحة الوطنية فهى تتعثر منذ شهور بسبب ارتباك وتضارب المواقف والنيات، وتفسدها تحركات وتهديدات من أنصار الرئيس. نحن أمام خطاب يقول كثيرا ولا يقول شيئا، يفسده إخراج سيئ وسيناريست عبيط أو فاشل.