الطريق إلى المصالحة الوطنية لا يمر عبر النوايا الحسنة ولا العبارات الفضفاضة، بل بالاستجابة للمطالب المشروعة للمعارضين والرافضين والغاضبين، بالحوار وليس العناد، المشاركة وليس الإقصاء، الاحتواء وليس النفور، وأن تقدم الدولة مبادرة حقيقية تشتمل بنودا وجدولا زمنيا للتنفيذ، وغير ذلك فهو مضيعة للوقت وتكريس للقطيعة، أو خدعة للالتفاف على 30 يونيو، ذلك اليوم الغامض الذى لا يمكن التكهن بما يحدث فيه.
أقصر طريق للمصالحة هو احترام القضاة وإعلاء شأنهم ووقف حروب التطهير والتهديد ضدهم، فهم حراس الشرعية وحماة القانون وسدنة العدالة، ليس لشخوصهم ولكن للمنصات الرفيعة التى يجلسون فوقها، فكيف يُفرض عليهم قانون يُسرح شيوخهم ويهين استقلالهم ويشق صفهم؟، وكيف تتعامل معهم الدولة بهذا الحجم من العناد والتحدى، وتحرض ضدهم من يحاصر محاكمهم ويسفه أحكامهم ويتجرأ عليهم، فأصبحت الخطب الرسمية التى تتحدث عن دولة القانون مزحة لا يصدقها أحد وشعارات لا تصمد أمام واقع مرير؟.
أقصر طريق لوحدة الصف هو احتواء المثقفين واحتضانهم، فهم صناع القوة الناعمة لهذا الوطن، ولا يصح أبدا التعامل معهم بالوسائل الخشنة، فيتولى شأنهم وزير لا يعرف الفرق بين الإبداع والانصياع ورهافة الحس وغلظة القول، ويتصور أنه امتلك زمام قطيع يقودهم بالكرباج والفصل والطرد والتشريد، فعبأهم ضد الدولة والرئيس والحكومة وحشد ضده قوة مؤثرة ومحبوبة من الرأى العام.
أقصر طريق للم الشمل هو الاحتماء بالهوية المصرية، وأن نأخذ من الأديان أسباب التقارب والحوار وليس التكفير والتنابز، وألا يتم توظيف الدين فى السياسة ولا السياسة فى الدين، ويجب ألا يستخدم الدين فى الحروب الحزبية والصراعات السياسية، فالخطاب الدينى الهادئ يفتح الطريق إلى القلوب والعقول، أما السياسة فأدواتها الصراع والمنافسة والخدع والحيل والألاعيب، وهى أمور بعيدة كل البعد عن جوهر الأديان، ووطن مثل مصر يحتاج فى هذه الظروف الصعبة إلى خطاب دينى مستنير، أقصر طريق إلى الوفاق الوطنى هو تنفيذ الوعود الرئاسية بإصلاح العوار الدستورى، والاتفاق على تعديل النصوص التى تثير الرفض والاعتراض وأدت إلى المقاطعة والقطيعة، وأن تتوافق عليها كل القوى السياسية بالتقارب والتراضى، لتقدمها الرئاسة إلى البرلمان القادم مشفوعة بالقبول، أقصر طريق إلى رأب الصدع هو فتح حوار وطنى واسع حول قانون الانتخابات، يتضمن نصوصاً واضحة للحياد والعدالة والنزاهة والشفافية، ويفتح أبواب التداول السلمى للسلطة كبديل للشغب والعصيان والعنف، وإذا تولدت لدى الناس الثقة بأن من جاء بالصندوق يمكن أن يرحل بالصندوق، فسوف تضبط جميع الأحزاب والقوى السياسية موجاتها على نبض الجماهير، وتتحول من المزايدة على مشاكلها والمتاجرة بآلامها إلى وضع برامج وخطط واقعية لمجابهة الأزمات والتحديات.
أقصر طريق لإعادة اللحمة لهذا الوطن هى أن يسعى الحاكم والمحكوم للوصول إلى أرضية مشتركة يقفون فوقها، شعارها «حد أدنى للاتفاق»، فما فائدة الصراع على كعكة الحكم فى وطن يئن ويعانى وتحاك ضده المؤامرات، ويقف مواطنوه فى ساحة المواجهة كإخوة أعداء؟، كل يريد أن يصرع الآخر ويبكى على ليلاه، وليل الوطن سيزداد طولا وظلاما إذا لم تخُلص النوايا وتتطهر الضمائر، فمصر تستحق من أبنائها أن يكونوا أكثر رفقا بها وخوفا عليها.