لكل واحد منا تصوراته عن وطنه، ليس بالمعنى البلاغى، ولكن بتفاصيل تراكمت ورسمت صورة ما، ناصعة ومضيئة، تجعله عندما يشم رائحة الهزيمة أو خيبة الأمل يستدعيها، ليؤكد لنفسه أنه ليس بمفرده، وأن بنى وطنه فى لحظة ما سيتحدون لإزالة الآثار التى جعلت كل واحد على حدة خائفا على مستقبله ومستقبل أولاده ومستقبل الأرض التى يقف عليها، المصريون «الذين لا أعرف غيرهم» يمتلكون شيئا إضافيا لا أعرف هل يمتلكه الآخرون أم لا؟، شيئا جينيا تتوارثه الأجيال، هذا الشىء اسمه الوطنية المصرية، «الجين» الذى يجعلك تنتفض إذا شعرت أن أحدا أهان أو تجاوز أو امتهن أو سخر من الصورة التى تكونت داخلك عن مصر، الجين الذى يجعلك تشعر بالإهانة عندما تشاهد رئيسك يمد يده «للى يسوا واللى ما يسواش»، الجين الذى يجعلك تذرف الدموع فى فيلم عن انتصارات جيشك على أعدائك أو مع جملة لحنية تزينها مفردة «مصر»، ستخاف على عمقها الفرعونى الذى تعرف العالم عليك من خلاله، عندما يتم تعيين محافظ للأقصر يقف بالمرصاد ضد هذه الحضارة وتجلياتها ورحابتها وعمارتها وفنونها وأساطيرها، ستخاف على عمقها الإسلامى النقى الشفاف من دعاة التصحر الذين يكفرون خصوم حاكم لم يف بوعده ولم يحترم شعبه وحرض عليه، ستخاف عليها من دعاة لا يؤمنون بالحدود التى رسمها الشهداء على مر التاريخ، ستخاف على رحلة العائلة المقدسة من الألغام التى زرعها المتطرفون، ستخاف على وطنك عندما تعتقد جماعة ما أن باستطاعتها فرملة الارتجال وتغيير سلوكك وعاداتك لكى تزدهر تجارتها، ستخاف على مصر عندما تشاهد شريان روحك يتم العبث به، النيل الذى يتدفق منذ آلاف السنين سيتوقف عن الجريان، ستخاف على مصر من الوجوه التى تهدد الطيبة والتسامح والتلاوة الجميلة للقرآن والرقة والغناء والرسم والسينما والأدب والرسم، الوجوه التى تروج لأزمنة بعيدة وقررت أن تدوس على ما أنجزته البشرية لكى يستمتع الناس بوجودهم معا، ستخاف على مصر من عاصم عبد الماجد ويوسف القرضاوى وصفوت حجازى ومحمد عبد المقصود وعبد المنعم الشحات وأبو اسماعيل وما إلى ذلك من الذين اعتبروا أنفسهم رجال دين فى بلد يقف فيه الأزهر الشريف شامخا يصد الرمال التى تنهال على مصر الخضراء، أنت الآن أمام مخطط لتغيير شخصيتك وثقافتك وجغرافيتك وزيك، أمام مخطط لتجريف تاريخك وأناشيدك وكرامتك وأحلامك، هم لا يعترفون بإسلامك لأنك قلت إنهم فاشلون، وإنهم استنفدوا كل مرات الرسوب، هم لا يعترفون أصلا بمصر التى بداخلك والتى عشت مستعدا للدفاع عنها وعن حدودها وعن ثقافتها وعن تنوعها وعن طيبتها وعن نزقها وعن خضرتها، هم لا يعترفون أصلا بوجودك على أرضها، أنت لا تعرف مهنة لهم، لم يسهم أحدهم فى زرع شجرة يستظل بها المؤمنون الباحثون عن السلام والألفة، هم أساتذة فى فنون الوعيد فقط، لم يقرأوا تاريخ هذا البلد الآمن، ويعتقد كهنتهم أنهم بتحالفهم مع أمريكا وإسرائيل وتركيا، قادرون على منع مصر من القيام بدورها فى خدمة الإنسانية وتصدير المحبة والفن والتسامح، منذ مجيئهم لا يوجد ماء وتم حصار الفلاحين والعمال والقضاة والإعلاميين والمثقفين والصيادين والموظفين، لكى يتم تغيير مصر التى بداخلك والتى تعيش فيها وبها ولها، هم لا يعرفونك ولا يعرفون تاريخك ولا تاريخ غضبك، استهانوا بأشواقك، كنت تعتقد أنهم أذكى مما هم عليه الآن، أو أنهم يحتفظون بداخلهم بصورة حتى لو مهزوزة لمصر التى بداخلك.. ولكنهم «جابوه لنفسهم!».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة