الحركات الإسلامية التى دشنت مليونية لا للعنف كانت تضم أطيافاً تعكس طبيعة التحالف الإسلامى الجديد فى مصر، فتاريخياً كان الإخوان المسلمون يتحالفون مع قوى مدنية مثل الوفد مثلاً فى عام 1984، وهو العام الذى شهد أول دخول لبرلمانيين من الإخوان للنظام السياسى المصرى، ثم تحالف الإخوان من بعد مع حزبى العمل والأحرار، وتكون ما عرف باسم التحالف الإسلامى وقتها، وكان للإخوان تحالفاتهم ووجودهم مع قوى وطنية ومدنية، مثل تواجدهم فى الجمعية الوطنية للتغيير، ودعمهم للدكتور محمد البرادعى كوجه ثورى فى مواجهة نظام مبارك المستبد، وقد شاركوا فى جمع التوقيعات لدعمه، وبعد الثورة ومع أول انتخابات برلمانية سعى الإخوان للتحالف السياسى مع حزب الوفد، والقوى الوطنية من خارج الحالة الإسلامية، ودشنوا ما عرف باسم التحالف الوطنى الديمقراطى، صحيح أن الوفد خرج من التحالف انتخابيا وبقى سياسياً، ولكن كل ذلك كان يشير إلى أن الإخوان المسلمين كانوا يسعون دائماً لبناء تحالفات مع قوى مجتمعية من خارج التيار الإسلامى، لإعطاء وجه سياسى واسع لحركتهم. الحاصل أن التحالف الجديد الحاكم فى مصر اليوم، أظهرته منصات جمعة لا للعنف الأخيرة، وهو يشير إلى ذهاب الإخوان إلى بناء تحالفات جديدة مع قوى الإسلام السياسى الأكثر سلفية وتشدداً، فقد كان هناك أكثر من 37 حركة وحزبا شاركت فى تلك الجمعة، أهمها حزبياً البناء والتنمية، وهو الذراع السياسية للجماعة الإسلامية ذات الطابع السلفى، ونعرف أن هناك خلافات تاريخية بين الجماعة الإسلامية وبين الإخوان المسلمين، سواء فى النشأة فى السبعينيات، أو فى المسار خاصة فى الثمانينيات والتسعينيات، بل وحتى بعد الثورة فى أول انتخابات برلمانية تخلص الإخوان ببراجماتية لم تطرف لها عين من الجماعة الإسلامية، ومن الأحزاب السلفية الأخرى المتحالفة اليوم مع الإخوان، مثل حزب الأصالة، ولكن اليوم الإخوان المسلمون يتحالفون مع الجماعة الإسلامية، ويمنحونها وجوداً كبيراً فى المشهد لتقوم بدور الصوت العالى، والخطاب المتشدد فى الصراع الدائر اليوم بين الإسلاميين والقوى المدنية والعلمانية، وحزب الوسط فى الواقع نال شرعية وجوده وتطوره بتحالفه مع القوى الليبرالية والمدنية بكل أشكالها وأطيافها، ولكنه بعد الثورة انحاز للإخوان، وبدأ يقوم بدور كبير فى مواجهة تلك القوى بفعالية أكبر من الإخوان ذاتهم. وهناك قوى مثل الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، وهى هيئة لعب خيرت الشاطر دورا كبيرا فى تأسيسها لتكون ذراعا ذا طابع سلفى فى مواجهة القوى المدنية من ناحية، ولبناء تحالفات مع القوى السلفية المكونة لها فى سياق صراع الحشود، وبناء السياسات السائلة فى الشوارع. قولة واحدة نحن أمام اصطفاف إسلامى تتجه فيه التيارات السياسية الإسلامية إلى نمط سلفى واضح فى التفكير، بحيث يتماهى الإخوان والوسط داخل كتلة سلفية واسعة، تمثل اليمين الإسلامى الجديد، والذى يتخذ مواقف أكثر حدة وشراسة فى مواجهة قوى المجتمع الأخرى التى يخيفها ذلك التحالف، الذى لا يملك برامج واضحة فيما يتعلق بنمط حياة الناس، ولكنه يملك خطباء ووعاظا سلفيين يفتقرون لبناء خطاب سياسى، يطمئن المجتمع لحكم الإسلاميين. التحالف السلفى الجديد الذى يحكم مصر يمثل نمطاً يمينياً لا يملك برامج للحكم، ولا يملك خطابا للطمأنة، وفى نفس الوقت لا يملك التنوع والتعدد الذى يعنى السماح داخله بتمثيل كل قوى المجتمع وهذا هو المأزق الحقيقى الذى يواجهه ذلك التحالف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة