هوة سحيقة تلك التى ينحدر إليها الوطن.. هوة تبذل جهود رهيبة لجذب الجميع إلى قاعها، وهذا الأسبوع جاء دور السلفيين، حين يُقتل شاب ملتح بالفيوم وآخر بالمحلة ويحرق مقر حزب النور بها.
وحين تُهان وتُضرب والدة إعلامى شاب فقط لأنها على حد تعبير المعتدين منتقبة نصابة. وحين تُمزق يد شاب قرر أن ينزل من مسكنه ليصلى العشاء وكل جريمته أنه يسكن بجوار مقر المحافظ الإخوانى الجديد للدقهلية، وحين يوقف من يسمون أنفسهم بمعتصمى وزارة الدفاع حافلات النقل الجماعى ليفتشوا عن الملتحين والمنتقبات أو تقام لهم الكمائن على طرقات السفر للتنكيل بهم لمجرد مظهرهم، وحين يتصايح مجموعة من الشباب بالسباب والإهانة لما يرون لحيتك ويتهجمون عليك ومعك أبناؤك وأهلك ويحاولون تكسير سيارتك أو تمزيق جسدك بمطاويهم وسيوفهم وسط لا مبالاة المارة وربما استحسانهم بلا جريرة إلا مظهرك، وسواء كنت مؤيدا أو معارضا لن تفرق معهم ما دمت ملتح فأنت فى نظرهم تستحق الذبح. حين يحدث كل هذا فى ظل تعتيم شبه كامل من إعلام لم ير إلا أحداث مقتل الشيعة على يد جموع الأهالى –تلك الأحداث التى استنكرتها جميع التيارات الإسلامية تقريبا- فنحن بصدد محاولة واضحة لجر البلاد إلى تلك الهاوية. . هاوية الحرب الأهلية والاقتتال على المظهر.
هذه النماذج التى ذكرتها والتى عاينت بنفسى بعضا منها ومن غيرها مما لا يتسع المقام لذكره حتى لحظة كتابة هذه السطور هى غيض من فيض يلاحظه الكثيرون حتى من غير المنتمين للأحزاب والتيارات الإسلامية ومنهم العديد من الناشطين والسياسيين أعلنوا رفضهم لتلك الممارسات، الأمر صار معلنا والوعيد فى الشوارع وعلى شبكات التواصل صار فاضحا، وسواءً مرَّ يوم 30 على خير أو كان بداية لمزيد من تلك الممارسات التى بدأت إرهاصاتها ولاحظها كل ذى بصر فلا شك أننا الآن بصدد مصيبة بكل المقاييس، قد يرى البعض أنها حالات فردية وقد يعلق الأمر على شماعة المؤامرة والعنف الممنهج ولا شك أن هذا يحمل جزءاً من الحقيقة خصوصا فى حالات الاعتداء الجسدى والأكمنة المنظمة التى تترصد أصحاب السمت السلفى من ملتحين ومنتقبات حيث ينكل بهم جسديا دون نقاش تبعا لمظهرهم. لكن لا شك أن هناك جانب شعبى غير منهج لا يمكن إغفاله، لا شك أن هناك احتقان يستشرى فى المجتمع ويتم إذكاؤه بشكل متواصل يؤدى بالمصرى للبحث عن متنفس يخرج فيه همه، وبالطبع هو لا يرى أمامه الرئيس أو أحد المسئولين لكنه يرى من هو فى نظره يشبهه شكلا ومن ثم يفرغ فيه غضبه دون نقاش أو حوار يتبين منه توجهات أو آراء ذلك الملتحى أو تلك المنتقبة بل يسارع لإسماعهم ما يؤذيهم من تصريح أو تلميح قد يؤدى فى لحظات إلى احتدام الموقف وتحوله إلى عنف جسدى.
أما أولئك المبررون والمدافعون عن تلك الممارسات المسعرون لها بتسخينهم المستمر فهم فى نظرى لا يختلفون عن الصنف الأول المأجور الذى يستقوى بسلاحه وتدنى أخلاقه، وهؤلاء جميعا يقودوننا بشكل أراه مقصودا وممنهجا لذلك الحلم الذى لم يتبق لديهم غيره حلم الفوضى والحرب الأهلية، وهم يعلمون جيدا أن الوسيلة المتبقية لتحقيق ذلك الحلم هى التصفية على الهوية والاقتتال الطائفى الذى يمكن تمييز المستهدفين فيه بسهولة من خلال أشكالهم أو ثيابهم وطبعا ليس من سمت أظهر من سمت الملتحين والمنتقبات، وبما أنه لا يتصور أن يسمح لهم الملتحون باستهدافهم ونسائهم بتلك الطريقة القذرة فى ظل صمت تواطؤ معتاد من الداخلية فإن آجلا أو عاجلا سيضطرون لدفع الصائل ومقاومة الاعتداء وذلك لأنهم فى الحقيقة ليسوا كائنات تُنحر لتؤكل كما يحلو للبعض أن يصفهم والشرع والعرف وحتى القانون الوضعى يسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم.
وهنا تحدث الحرب المرادة التى ليست مقصدا فى ذاتها بل هى طريق للمقصد الأكبر وهو دفع المنقذ المنتظر للتدخل وإنقاذ البلاد من أتون تلك الحرب، ذلك المنقذ الذى نلاحظ منذ شهور كيف يُنَادَى ويكاد حذاؤه أن يُلعَق فهو الملاذ الأخير لهؤلاء المفلسين وحين يُدفع المنقذ للتدخل بمباركة عموم شعب لم يذق من قبل ويلات حرب أهلية طاحنة فسينسى الجميع من البادىء من يدفع عن نفسه وسيُطلب من المنقذ أن يكمل نحر الإرهابيين وتخليص البلاد من شرورهم ونكون فى النهاية أمام نسخة جزائرية جديدة، بينما ينام من شجعوا وخططوا ودبروا لكل هذا قريرى العين دون أن تمس ثيابهم الفاخرة قطرة من بحور دماء أراقها مكرهم وتخطيطهم البغيض، لكن عزاءنا أن هذا المكر والإفساد فى الأرض قد وعد الله بألا يصلحه فقال: "إِنَّ اللهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ".
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة