بعد خلع حسنى مبارك، ظهر على الفور السؤال: إلى أين تتجه الثورة؟ ولن أعيد عليكم ما جرى فما زلنا نعيش فيه، ويمكن اختصاره فى الصراع بين الثوار الحقيقيين من جيل الشباب وبين بقايا العصر السابق وإنتاجه من مؤسسات الدولة العميقة، عسكر وبوليس وقضاء مضافا إليهم الإخوان المسلمون. لا تحدثنى عن أى خلافات بين الإخوان المسلمين وهذه المؤسسات الآن، فهى كلها خلافات ظهرت بعد أن وصل الإخوان إلى الحكم، لقد ظهر على الفور فى أدبيات الحديث عن الثورة وفى التحليلات المكتوبة لكثير من المفكرين وفى الحوارات التليفزيونية الساخنة مقولة إن الثورات يقوم بها الثوار الحقيقيون ويسرقها الانتهازيون وأعداء الثورة، ولن أقول إن الأمر بدا وكأنه تمهيد لما سيحدث، خاصة أن كل من قالوا ذلك تقريبًا كانوا من أجيال أكبر من الثوار الشباب، لن أقول ذلك لأنه ليس من المعقول أن من قالوا ذلك جميعا كانوا يمهدون لسرقة الإخوان المسلمين للثورة، أو أن ذلك كان فى أذهانهم. لكن طبعًا كان فى أذهانهم تاريخ الثورات فى العالم، الأمر كان يمكن أن يوضع فى سياق أفضل، وهو أن ما جرى فى تاريخ الثورات فى العالم هو فى سياق استمرار الثورة حتى تقضى على كل ما تركه النظام القديم من قوة، لننسى ذلك الآن ولا ننسى الخطأ الكبير للثوار أنفسهم من الجيل الجديد الذى بدأ حين أعلنوا أنهم ليسوا طلاب سلطة، وأنهم يريدون طريق التحول الديمقراطى الطبيعى رغم أنهم يعرفون أن الإرث الذى تركه النظام السابق من فقر وجهل ومرض وجماعات دينية أو تدعى التدين استغلت ذلك أكبر استغلال على مدى عقود طويلة، ومن ثم يمكن لها أن تقفز بسهولة على الثورة، بالطبع كانت هناك روح إنسانية مفارقة للواقع على الأرض، أعنى بها روح الثورة نفسها التى كانت ومازالت شعاراتها شديدة الإنسانية قادمة من عالم الحداثة ومابعد الحداثة عن الديمقراطية على إطلاقها والحرية على إطلاقها والمساواة على إطلاقها، ووصل الأمر إلى حد اعتبار الإخوان المسلمين والجماعات الدينية فريقا وطنيا، رغم أنه لا الفكرة التى تكمن وراء هذه الجماعات ولا تاريخها يقول ذلك، انتهى الأمر بالتآمر أو بالأخطاء التى ارتكبها مرشحو الثورة فى عدم التوحد، إلى وضع الثورة بين المطرقة والسندان، أو بين فكى الرحى، إما النظام القديم ممثلا فى أحمد شفيق، وإما الإخوان المسلمون ممثلين فى محمد مرسى، ورغم أنى كنت من الذين أبطلوا صوتهم رافعا شعارا بسيطا جدا أن كليهما فرض على الثورة فلماذا أدخل معركة مع أى منهما والمعركة الحقيقية قادمة مع أى منهما أيضا، أوفر قوتى وعقلى لما هو قادم مادامت الثورة قد أبعدت عن ممثليها الحقيقيين الذين كان أهمهم بالنسبة لى خالد على لأسباب شرحتها وقتها وما زالت، رغم ذلك صار الإخوان فى النور فحل الظلام على الدنيا، اختصرت المراحل لأنه لو كان أحمد شفيق هو الذى نجح كانت الميادين ستمتلئ بالمعارضة من الثوار الشباب ومعهم الإخوان المسلمين باعتبارهم فريقا وطنيا كما قيل دائما عن غير حق، أو باعتبار حقوق المواطنة التى هى من أهم شعارات الثورة، كانت الثورة ستشتعل من جديد ضد أحمد شفيق، ويأتى الإخوان أيضا، لكن بعد أن تفقد الثورة الكثير من قوتها، ومن يمكن أن يتحالف معها من حزب الكنبة كما يقال، الآن صار الإخوان فى النور فحل الظلام على البلاد كما قلت، وكما نرى ونعيش والثورة انتعشت فى عمل جبار، هى لم تتوقف أبدا، والعمل الجبار هو حملة تمرد التى هرع إليها كل الناس عن حق وكل القيادات القديمة والأحزاب القديمة والجديدة عن حق أيضا، لكن باستثناء يحدث دائما فى الثورات وهو الرغبة فى القفز على ما سيحدث، هذا طبيعى لكن علينا أن ننتبه إليه هذه المرة، وأقصد بعلينا هذه جيل الشباب الذين فجروا ثورة يناير واستشهدوا بالقتل والسحل ودخلوا السجون وتعرضوا للمحاكمات الظالمة عسكرية ومدنية ومازالوا ثم ابتدعوا حملة تمرد التى صارت علامة فى الثورات كما صارت الثورة المصرية من قبل علامة فى ثورات العالم يحتذى بها ويفخر البعيد والقريب، الكل يتجمع تحت راية تمرد الآن ولا أحد يستطيع أن يمنع أحدا ولا يجب، الثوار والفلول وبعض السلفيين وحزب الكنبة، وتحاول الشرطة أن تكون قريبة بإعلان الحياد علها تنسى الناس ما ارتكبته ليس فى عهد مبارك فهذا صار الكلام فيه قديما، لكن فى عهد مرسى. قتل وسحل وتعذيب واغتصاب يتحمل وزره القيادات التى سمحت بذلك وأمرت به كما يتحمل وزره محمد مرسى نفسه، كما يحاول الجيش أن يكون محايدا ووراءه تجربة لاشك لا يريد إعادتها وأمامه ثورة لن تتوقف أبدا قبل سنوات طويلة وحوله فى العالم انتهى زمن النظم العسكرية. الرائع فى حركة الالتفاف الأخيرة حول تمرد هو عدم الخوض فى أى من هذه الصراعات حتى ننتهى من الهم الأكبر وهو حكم الإخوان المسلمين ومن يساندهم من الإرهابيين فى الداخل والخارج وعلى رأسهم المساندة الأمريكية التى تتلخص الآن فى شعار حماية أوباما للإرهاب، وإن كنت أعرف أن أوباما والسياسة الأمريكية مع الغالب فى النهاية. سيقوم الشعب ضد الإخوان بعد يومين والمقدمات حولنا الآن وأنا أكتب هذا المقال قبل خطاب مرسى الذى لن يغير فى الأمر شيئا، وسيزول حكم الإخوان ولو فوق دم كثير أو قليل، فما هو إذن الحلم الوحيد الذى أحلم به بعد ذلك؟ هو الحلم الضائع، أن يعرف الشباب الذين فجروا الثورة ودفعوا وحدهم الثمن الفادح كيف لا ينقسمون مرة أخرى بين المعارضين الكبار من أجيال أخرى، أن يتحدوا على أن تكون السلطة لهم، ويستطيعوا لو لم ينقسموا أن يفوزوا بها بالقوة أو بالانتخاب، لا تنتظروا أن يتفق الكبار فهم لن يتفقوا، اتفقوا أنتم أن تكون السلطة لكم من رئاسة الجمهورية إلى الوزارة إلى المحافظات والمحليات، تستطيعون ذلك بالديمقراطية التى تحبونها وتموتون من أجلها، وتستطيعون ذلك بالمليونيات والضغط، ثورة بلا سلطة ملطشة فاختصروا الطريق بعد التضحيات الجسيمة التى بذلتموها وستبذلونها لإنهاء حكم الإخوان، لقد سميت هذا حلما خائفا من تطهركم الفائق الحد والحقيقة أنه هو الطريق الوحيد، الطريق الوحيد، الطريق الوحيد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة