زينب عبد اللاه
ما أكثر الغربان التى تنعق هذه الأيام مستفزة مشاعر شعب انقسم وتفرق ولم يعد شعباً واحداً ملتحماً كما كان فى ثورة يناير.
هذه الغربان التى ينعق فريق منها ليقود فريق المؤيدين للرئيس مرسى، فيستفز مشاعر شباب التيارات الإسلامية ويحفزهم ويحرضهم وكأنهم على وشك معركة حامية الوطيس ضد الكفار الخارجين على الرئيس فى غزوة 30 يونيو، أو يستفز البسطاء بفتاوى متطرفة مغموسة بالدماء تؤدى إلى مجازر وسحل ودم فى شوارع مصر على عيون الأشهاد فى مشهد طائفى غير مسبوق، كما حدث فى مجزرة قرية أبو مسلم بأبو النمرس والمتوقع تكراره ليكون بداية لنفق مظلم جديد.
بينما ينعق فريق آخر من الغربان بين شباب الثورة الغاضبين الذين تمردوا على أوضاع رأوها لم تختلف كثيراً عن تلك الأوضاع التى ثاروا ضدها وأسقطوا من أجلها نظام مبارك، فرأت هذه الغربان أن هذه الموجة الثورية الثانية تجدد أحلامها فى الجلوس على كراسى السلطة لتصعد إليها ولو على جثث هؤلاء الشباب.
لا نجد صوتاً رشيداً ولا نرى إلا الغربان وألبوم الذين تقطر من أفواههم دماء الشباب وكأنهم مصاصو دماء لا يعيشون ولا يستمرون إلا بهذه الدماء الطاهرة الذكية.
تحاول هذه الغربان النيل من كل صوت رشيد، تحاول إسكاته حتى لا يبقى فى الأفق بصيص أمل أو صوت للحق والوسطية والاعتدال فلا يعلو صوت فوق صوت الغربان.
لذلك أراد البعض النيل من الأزهر وشيخه فى هذه المرحلة الحرجة، أرادوا بشتى الطرق والوسائل إسكات هذا الصوت، تارة باستغلال حادث تسمم طلاب المدينة الجامعية والهجوم المفتعل، الذى وصل إلى حد التطاول ومحاولة اقتحام المشيخة، وبلغ مداه فى تظاهرات تأييد الرئيس مرسى بادعاءات تقطر كذبا بأن شيخ الأزهر د.أحمد الطيب حرم النزول إلى ميدان التحرير فى ثورة يناير، وأكد أن من يموت فى التحرير ليس شهيداً، وأنه ينتمى للنظام السابق بحكم عضويته السابقة فى أمانة السياسات، وأنه يدعو الآن للخروج على الرئيس مرسى ويحرض على الشرعية.
والحقيقة أن الإمام الأكبر الذى يعرف قدر منصبه لم ينجرف للانحياز لطرف ضد طرف، لا الرئاسة ولا جبهة الإنقاذ ولا غيرهما، انحاز لمصر ولخوفه على دماء أبنائها، حاول مرارا وتكرارا احتواء العنف والتحذير بحرمة الدم وشرعية المعارضة السلمية، ولكنها مبادرات مثالية أفسدتها أطماع السلطة والمعارضة.
يتسم بعفة اللسان وضبط النفس فلم يفقد أعصابه خلال هذا الهجوم المتتالى الذى وصل إلى حد الكذب فى جمعة ادعى أصحابها أنها ضد العنف.
وبينما ضمت هذه الجمعة عددا من المشايخ الذين حرموا الخروج على الحاكم فى ثورة يناير انصبت الاتهامات على شيخ الأزهر، هذا الشيخ الزاهد الذى ليس لديه أطماع سياسية أو مادية، ويعرف الجميع طهارة يده وزهده حتى أنه منذ اليوم الأول له فى المشيخة تنازل عن كل المخصصات المالية والمكافأت وحتى الجوائز المادية التى يحصل عليها وفى أوقات كثيرة تنازل عن راتبه الأساسى الذى لا يتجاوز 4 آلاف جنيه.
لا يسعى لمنصب، حتى أنه حمل هما ثقيلا حين تم تكليفه بمنصب شيخ الأزهر، وإن كان عضوا بلجنة السياسات فهو لم يسع لذلك وتم اختياره بحكم منصبه كرئيس لجامعة الأزهر واستقال بعد توليه مشيخة الأزهر.
أما عن موقفه خلال ثورة يناير فإنه أبدا لم يحرم الخروج على الحاكم، وأطلق فتوى بجواز المعارضة السلمية مثل التى أطلقها الآن ولم يتحملها مؤيدو الرئيس فشنوا هجوما على الشيخ.
وإن كان قد دعا ثوار يناير بعد استجابة مبارك لبعض المطالب لترك الميادين خوفًا من الفتنة ومن إراقة الدماء خاصة وأن مؤيدى مبارك كانوا يتظاهرون لتأييده فى ميدان مصطفى محمود، فخشى الشيخ أن تحدث فتنة يقتل فيها المصرى أخاه المصرى، وكان الأزهر وشيخه أول من وصف من ماتوا فى التحرير بالشهداء فى بيانات صادرة ومنشورة عكس ما ادعى من هاجموه فى هذه المليونية بأنه قال إن من يموت فى التحرير ليس شهيداً.
كفاكم كذباً ونعقا كالبوم والغربان، كفاكم دماء لطخت أياديكم التى تدعون أنها تتمسك بكتاب الله، فى حين أنها تدفع الشباب للموت لتصعد على جثثهم، تريدون ألا يعلو صوت فوق أصواتكم التى تقرع طبول الحرب والتقسيم المذهبى والطائفى والسياسى، وتحاربون كل صوت عاقل وتسعون لإسكاته بالادعاءات الكاذبة والهجوم المغرض.
لو كان بين كل طرف منكما شخصية وسطية معتدلة زاهدة عاقلة كشيخ الأزهر لا تسعى إلا لمصلحة مصر وحقن دماء أبناءها ما وصلنا لما نحن فيه وما سنصل إليه.
تحية لشيخ الأزهر القابض على الجمر، وسحقاً لكل البوم والغربان ومصاصى الدماء.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة