أنت مكتئب، أنت حزين، أنت خائف، أنت قلق، أنت متردد، أنت متمرد، أنت مصرى.. أيا كنت من هذه الصفات التى صرنا جميعاً نتأرجح بينها ليل نهار، ونحن تفصلنا ساعات على يوم 30 يونيو، ألقِ بكل تلك المشاعر وتوجه إلى منطقة السيدة زينب، أو سيدنا الحسين، أو أى من مناطق القاهرة القديمة، لو كنت من سكان العاصمة، ولو كنت من غير ذلك فابحث عن مكان بذات المواصفات فى محافظتك، واذهب إليه.
تجربة خضتها ولا أود أن أضن على القراء بنتائجها الرائعة، فقد دعانى تجمع يقوده أستاذ جامعى يُطلق عليه تجمع «الأصوات العائمة» إلى لقاء مع الناس فى منطقة السيدة زينب رضى الله عنها، وقال إننا سنلتقى بأهل المنطقة بشكل مباشر دون أضواء أو مسرح أو ميكروفون أو كاميرات، نتحدث سويا مصريا مع مصرى حول أمور حياتهم، وأن لقاءنا هذا سبقته لقاءات كثيرة لهذا التجمع فى مناطق أخرى فى القاهرة والمحافظات.
فى طريقى إلى السيدة زينب مررت على مقامها الشريف، ووجدت الآلاف يتحلقون حوله وهم سكارى حباً بمقام حفيدة بيت النبوة فى بلادهم، وسواء كان هذا الضريح يضم رفاتها أو يختلف حوله البعض فى أنه يضم رفات زينب أخرى، فإن المصريين العاشقين لأهل بيت رسول الله يذهبون إلى ذاك الضريح متمسحين به، وهم على يقين بأنه يضم الطاهرة، أم العواجز، العالمة، صاحبة الديوان، بنت بنت رسول الله، وأن وجودها فى عاصمتهم حفظ لهم وبركة، كما وجود رأس أخيها الحسين، فالمصريون سنة متشيعون، فكيف بهم يقترفون تلك الجريمة البشعة فى حق من اتهموهم بالتشيع، وهم يحتفلون بليلة النصف من شعبان مثلنا جميعاً!
وعلى كل، تلك قضية أخرى.. أعود إلى غرض زيارتى، حيث مررت بشوارع السيدة المزدحمة وحاراتها إلى أن وصلت للمكان المحدد للقاء، وأعترف أننى ذهبت حيث ذهبت، وكان اليأس يملؤنى وحال مصر يخيفنى، وكلما أفكر فى الغد أرى صورة ضبابية فى أفضل الأحوال، ومظلمة فى أغلبها.
وفى إحدى حارات السيدة زينب التقيت بمن نفض عنى كل ذلك، وبعث فى نفسى أملا مشرقا، التقيت بمصريين ليسوا من أهل الحل والعقد، ولا هم نجوم فضائيات أو جلسات ليلية للنخبة المصرية، ولا هم يسبق اسمهم محلل سياسى أو خبير إستراتيجى، ولكنهم أهم وأصدق وأكثر فهماً وأعمق تحليلاً من كل من ذكرت.
أم محمود، السيدة التى تربى أبناءها وتبدأ كلامها بأنها لا تفهم فى السياسة، ولكنها تفهم فى الطبيخ وتربية الأبناء، ثم تشرح الموقف لى كما تفهمه، وتطلب منى المشورة، فأجدنى عاجزة أمام عمق فهمها للحالة السياسية والاقتصادية المصرية أن أكون قدمت أى إضافة لها، بل أزعم أنها هى من أضافت لى.
كريم ابن الأحد عشر عاماً، القادر على أن يحلل ليس فقط تصرفات الإخوان، ولكن أيضاً أفعال المعارضة، وما يتمناه، ثم جدة كريم التى اصطحبها لتحضر معه وتسمع وتشارك وتقرر وتعلن أن نساء السيدة زينب سينزلن بالحلل ليطردن كل من يريد شرا. الحلاق محمد الذى فتح محله الصغير وقدم لنا الشاى، بعض من رجالات زينهم الذين أتوا لدعوتنا فى حيهم ليقولوا رأيهم. زوجة وائل المنتقبة التى طالبتنى بأن أساعدها على إقناع زوجها بالمشاركة فى مظاهرات الاتحادية. عشرات بل مئات من الأسر التى جلست فى بلكونات منازلها تسمع وتدعو لمصر وتعلق لافتات «تمرد». كل هؤلاء مجرد نماذج من المصريين الذين أحيوا فى قلبى الأمل بأن الغد لهم، وأن كل المصريين «إيد واحدة» فعلا دفاعاً عن بلدهم.
لا تخافوا على مصر مادامت فيها السيدة زينب، وسيدنا الحسين، وأهل هذه المناطق «الجدعة» التى تعرف قيمة المواطنة ووطنها وإن ضن عليها، والتى تعرف قيمة دينها وإن امتهنوه، والتى تدور فى شوارعها وهى تقول شىء لله يا أهل بيت النبى، شىء لله يا طاهرة، شىء لله يا حسين، فبهم ومعهم سننتصر على الكذب، وعلى الظلاميين، وعلى كل من يريد بنا شرا.
وعود على بدء، إذا كنت خائفاً، مكتئباً، تشعر بالعجز فاذهب لزيارة السيدة زينب وأهلها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة