منذ فترة، قابلنى أحد متحذلقى الجماعة ومتكلميها، وحينما تطرق الحديث إلى حكم مرسى ومآسيه، قال لى إن أحد الإخوة فى الجماعة – يقصد إخوته هو بالطبع – ذهب إلى ميكانيكى ليصلح سيارته، وما إن رآه الميكانيكى حتى أرهقه بالأسئلة وحاصره بالاتهامات، ولم يستمع منه كلمة واحدة، وكلما حاول «الأخ» أن يشرح له صم أذنيه رافضا أن يستمع إلى شىء، والكلمة الوحيدة التى يرددها: مرسى فاشل وحكومته فاشلة، ولما أيقن «الأخ» أنه لا فائدة من النقاش قال له: لقد هزمتنى، أرجوك أصلح لى السيارة حتى أذهب إلى الإخوة وأقدم استقالتى من الجماعة، وهنا فرح الميكانيكى ووعده بأن يصلح السيارة فى أسرع وقت، ولما شرع فى إصلاحها ظل الأخ يهز فى السيارة ويدبدب عليها، وهنا انزعج الميكانيكى وقال له: لو ظللت تدبدب هكذا فلن أتمكن من إصلاح السيارة، فقال له الأخ: أرأيت، أنت لم تتمكن من إصلاح السيارة لأنى أدبدب عليها، فما بالك بالرئيس مرسى الذى تحاصره المعارضة والإعلام كل يوم بالاعتصامات والإضرابات والدبدبة.
ما إن انتهى الأخ المتحذلق من حكايته، حتى ظن أنه بتلك الحكاية قد هزمنى، ورأيت ابتسامة الارتياح على وجهه توحى بأنه اعتاد على أن يقص تلك الأقصوصة على كل من يهاجم مرسى، وأنه يحتفظ بها كـ «الضربة القاضية» التى ينهى بها أى نقاش لصالحه، وعرفت أنها «وصفة مجربة» يتبعها هو وإخوته ليقنعوا بها المعارضين، وأيقنت من أن تلك الأقصوصة صارت من أدبيات الجماعة الحديثة، التى يرددونها فى جلساتهم الخاصة ويحفظونها لتابعيهم وتابعى تابعيهم، فقلت للأخ المتحذلق: حكايتك هذه غاية فى الإحكام والإقناع، لكن للأسف لا تنطبق على حالنا، فمن صفات الميكانيكى الشاطر أن يجيد العمل تحت الضغوط، ولو كانت الدبدبة تعيق العمل فعلا لاستحق الميكانيكى المسمى بحسنى مبارك وساما لا سجنا، وذلك لأن آخر سنتين فى حكمه اشتدت الاعتصامات والإضرابات، ومع ذلك ارتفع بمعدل النمو، وكذلك يستحق الميكانيكى المسمى بجمال عبدالناصر «نوبل فى الإصلاح» لأنه استطاع أن يرتفع بمعدل النمو ويحقق فائضا فى الميزانية بعد النكسة، ووقتها لم تكن الدبدبة بالأصابع ولا بالأيادى وإنما بالمدافع والقنابل.
حاول الأخ أن يرد على ما قلته قائلا: إن الأوضاع تغيرت وإنه فى زمن عبدالناصر ومبارك كان الإعلام معه، فقلت قد يكون معك حق فيما يخص عبدالناصر أما مبارك فلا، ومرسى لم يستلم البلد بعد تدمير البنية التحتية كما استلمها «ناصر» والفارق الوحيد بين مرسى وعبد الناصر أن الأول يقسم الشعب كل يوم أما الثانى فقد كان قادرا على توحيد الصف بخطبة واحدة، ثم قلت له: ولنفترض فعلا أن الدبدبة تعيق عن العمل والإصلاح، فهل خدع أحد مرسيا وقال له إنه سيستلم الحكم بلا «دبدبة» ألم يعلم مرسى أن تولى الحكم بعد ثورة وأن الشارع السياسى فى حالة غليان مستمر؟ ألم يقدم نفسه باعتباره القابض على مفاتيح النهضة والقادر على توحيد الصف؟ ولما رأيت «الأخ» صامتا قلت له: أتعرف أين تكمن المشكلة الحقيقية؟ فقال لى ملتقطا أنفاسه: أين؟ فقلت له فى مرسى شخصيا، لأنه لا ميكانيكى ولا بيفهم فى الميكانيكا أصلا، هو فقط قدم نفسه، باعتباره ميكانيكى فصدقه الناس، وحينما تعطلت السيارة ظل يلف حولها يمينا ويسارا، وصار يفتح الكبوت ويغلقه دون أن يكتشف العيب، كما أنى أستبعد أيضا أن يكون عالما بأصول القيادة، وأعتقد لو أن معجزة حدثت وسارت السيارة فعلا بقدرة قادر، فإنه سيصطدم بنا فى أول حائط. وهو ما لا نسمح به.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة