قبل أن تحتار فى توصيف ما نمر به من اضطرابات، وقبل أن تتوه مع المحللين والسياسيين والمتحدثين، وقبل أن تدور فى ساقية «الشيخ عنف»، وتضرب أخماساً فى أسداس، سائلاً نفسك: من تسبب فى العنف؟ من قام بالعنف؟ من بدأ بالعنف؟ كم ضحية وقعت فى هذا الفريق؟ وكم مصابا وقع لدى الفريق الآخر؟.. قبل كل هذا حاول أن تسأل نفسك: من أوصلنا إلى ما نحن فيه؟. يؤسفنى أن أقول إن التظاهرات التى تشهدها مصر اليوم كانت من اختيار جماعة الإخوان، وليست من اختيار الشعب، فلم يستوعب الإخوان الدرس جيداً، وفعلوا ما يفعله كل طاغية، غير أن انفجار الشعوب لا يقتلها ولا يؤلمها، إنما هو مثل انفجار العنقاء التى تبعث من جديد كلما احترقت، بينما تبقى النار لتحرق من أشعلها. نعم مظاهرات اليوم كانت اختيار السلطة المتمثلة فى جماعة الإخوان ومناصريها فحسب، وإن لم تكن مقتنعا فما عليك إلا أن تتذكر مقولات قيادات الجماعة الساخرة من كل مظاهرة، والمقزمة لكل مليونية، مدعين أن أعداد من يتظاهرون لا تعبر عن الشعب المصرى، حتى وصل الأمر بالدكتور محمد مرسى إلى أن يقول إنه لن يتنحى إلا إذا رأى الملايين فى شوارع مصر كلها مثلما كانت فى يوم تنحى مبارك، غير مدرك أنه بهذا التصريح يشعل غضب المواطنين الصامتين، وغير مدرك أيضاً أن وظيفته تجبره على حماية الشعب، لا وضعه فى مواجهة مع جماعته. «إخوان ولا مصريين؟».. هكذا أصبح الوضع منذ أن تجبرت الجماعة، واستعلت على شعبها، وما تظاهرات أمس الأول إلا استجابة من الشعب المصرى لطلب الجماعة التى ألحت على نزول الملايين إلى الشوارع «عايز ملايين؟ خد ملايين»، هكذا رد الشعب المصرى أمس الأول، وهكذا يرد اليوم، وهو الأمر الذى لم يجد معه الإخوان حيلة سوى محاولة أن يفرغوا المظاهرات من معناها، كتلميذ فشل فى الإجابة عن السؤال فادعى أن «بطنه بتوجعه»، فبدلاً من أن تواجه الجماعة غضب الشارع برشد وعقل وحكمة، راحت تطلق رجالها ومتحدثيها على الفضائيات والصحف ليحصروا الأمر كله فى «العنف»، وهى الخدعة التى «دخلت» على كثير من الثوار الذين راحوا ينبذون العنف ويتنكرون له، ناسين أن المعركة ليست فى وجود عنف أم لا، إنما فى مطالب لم تتحقق، ووعود لم يتم الوفاء بها، وسلطة تتسلط. ولأن «الكذب ملوش رجلين»، فقد دلت جميع الأخبار والشهادات التى تم توثيقها أمس الأول على أن الإخوان هم الذين يحملون الأسلحة، وأن الإخوان هم من يشجعون العنف ويدعمونه، دل على هذا شهادة الضابط محمد عصام عباس، المصاب فى الإسكندرية، والتى قال فيها إن الإخوان هم الذين أصابوه، كما دلت على ذلك واقعتا ضبط أسلحة بكميات كبيرة مع مناصرى «مرسى» فى كل من المرج وكفر شكر، والفيديو الذى سجلته «المصرى اليوم» لإخوان الإسكندرية وهو يرتدون الخوذ والدروع ويطلقون النار على المتظاهرين، وكأن الجماعة تتبع أمراً يقول «انبذ العنف ولو بالخرطوش». لن ينفع الجماعة هذا الفيلم الهابط المسمى «نبذ العنف» بعد أن علم الجميع أن رجالها هم أساتذته، وكذلك لن ينفعها النفخ فى نيران الفتنة بادعاء أن أعضاء حركة تمرد «أقباط يعتدون على المساجد»، فقد علم الجميع من ينتهك المساجد، ومن يهينها،ومن يقدسها. وأنصح الجماعة بأن تقنع رئيسها بأن يرحل.