من كان أجدى وأنفع وأولى للدعوة الرئاسية بالأمس وأمس الأول لمناقشة أزمة أو كارثة سد النهضة الإثيوبى؟ الأحزاب والهيئات الإسلامية من الأهل والعشيرة والأحزاب المدنية الصديقة؟ أم الخبراء والمتخصصون ووزراء الرى السابقون من أهل الذكر والخبرة والمعرفة؟
من أقدر على تقديم الرأى والمشورة الصحيحة والسليمة القائمة على الخبرة والدراية بالأزمة ووضع الرؤى والحلول والمقترحات الخاصة للخروج منها، وفى هذا التوقيت الحرج والصعب بالذات، خبراء الرى المصريون المعروفون على مستوى العالم أم ممثلو الأحزاب الذين تم استدعاءهم على عجل دون إعداد واستعداد للقاء «دردشة» مع الرئيس، فهل أعدت الأحزاب الإسلامية وغيرها تصورا بأزمة السد ومقترحات للحل واستراتيجية للحفاظ على حقوق مصر المائية، خبرة التعامل مع هذه النوعية من الاجتماعات تؤكد أنها لا تؤدى إلى نتائج، بل تزيد من حدة الانقسامات رغم النوايا المعلنة من «التوافق الوطنى» و«الاصطفاف والتوحد خلف القيادة السياسية»، فالخلافات عميقة والثقة المفقودة فى الرئاسة منذ الإعلان الدستورى الاستبدادى والتغول على القضاء والهجوم على الإعلام والعداء مع الأزهر والكنيسة والمثقفين والفنانين، مازالت تقف حائلاً دون إجراء حوار وطنى حقيقى بين الرئاسة والجماعة والأهل والعشيرة من جانب، وبين القوى السياسية والثورية المعارضة من جانب آخر، ويبدو أننا نعيش الآن شهور الفرص الضائعة مثلما كانت «سنوات الفرص الضائعة» فى عهد مبارك - مع الاعتذار للدكتور مصطفى الفقى - فالرئيس وجماعته يتملكهم عناد سياسى لا يرغبون فى العودة منه والتنازل عن الكبرياء والغرور الأجوف والاعتراف بالفشل والعجز فى إدارة شؤون مصر، والجلوس على طاولة الحوار الجاد بعد ذلك مع قوى المعارضة، ولذلك تضيع الفرصة تلو الأخرى إلى أن وصلنا، على ما يبدو، إلى مفترق طرق وتقطعت سبل اللقاء والتفاهم والثقة بين الرئيس وجماعته وبين باقى قوى الشعب فى ظل استعلاء غير مبرر واستدعاء طريقة «خليهم يتسلوا» و«موتوا بغيظكم» التى تعامل بها النظام السابق مع حالة الغليان والاحتقان فى الشارع المصرى فى السنوات الأخيرة، وأضاع فرصة تفادى انفجار الوضع فلقى جزاءه بالثورة الشعبية فى يناير، مواجهة أزمة سد النهضة وباقى المخاطر التى تهدد مصر ووجودها يبدأ من الداخل أولاً بإجراء مصالحة حقيقية شاملة دون مراوغة أو تلكؤ أو تباطؤ أو «نوايا شريرة وخبيثة» من الجماعة وتوابعها، فقوة وهيبة الدولة فى الخارج تنبع فى الأساس من قوة الجبهة الداخلية وسلامة الجسد السياسى والاقتصادى، فهل وصلت الرسالة؟