"شر البلية ما يضحك"، هذا العبارة تجسد المشهد الهزلى لما سمى الاجتماع الوطنى برئاسة د. مرسى لمناقشة مشروع سد النهضة الأثيوبى، والذى تفوق على أقوى الأفلام الكوميدية القديمة والحديثة، ورغم أن القضية التى اجتمع لمناقشتها من شاركوا فى هذا الحوار قضية حياة أو موت، لأنها تتعلق بحاضر مصر ومستقبلها، جوعها وعطشها، تتعلق بنهر النيل شريان الحياة المهدد بالذبح، إلا أن المشهد الذى شاهدناه فى هذا الاجتماع يؤكد حجم المأساة التى تعيشها مصر والاستهانة بمقدراتها وقضاياها المصيرية.
ومهما بلغت درجة تخيلنا ونظرتنا لأخطاء النظام الحالى وانتقاداتنا له ولعجزه عن إدارة بلد فى حجم مصر، إلا أننا لم نكن نتخيل أن تصل درجة سذاجة هذا النظام إلى هذا الحد من الغباء، الذى يؤكد أنه عاجز حتى عن إدارة أصغر مركز أو قرية.
تابعنا هذا الاجتماع السرى الذى أكد عدد من حاضريه، أنه تم التشديد عليهم بعدم تسريب ما يدور فيه للصحافة، فإذا بنا نتابع تفاصيله على الهواء وكأننا نتابع فيلما كوميديا، خطط سرية لمحاولة إثناء أثيوبيا عن بناء السد بمساعدة المعارضة والقبائل الأثيوبية المنشقة وتوصيات بالإقدام على أعمال عسكرية ومخابراتية، كل هذه الخطط الإستراتيجية والسرية والجهنمية تابعناها وتابعتها معنا أثيوبيا على الهواء مباشرة، فى مشهد مستوحى من مجموعة أفلام كوميدية، فكأنك ترى فى هذا المشهد الشيخ حسنى فى فيلم الكيت كات، وهو يفشى أسرار جيرانه وأصدقائه أمام ميكرفون الجنازة دون أن يدرك أنه مفتوحا، وأن كل المنطقة تسمع ما يقول، ففضح جاره الحشاش وجارته اللعوب وعلاقة ابنه بها، حتى إنه فضح علاقته هو شخصيا بإحدى جاراته فى المنطقة، ووضع كل أبناء المنطقة أيديهم على قلوبهم خشية أن يردون على ذهن الشيخ حسنى فى هذه اللحظة فيفضحهم لسانه.
كأنك تسمع وأنت تتابع هذا الاجتماع السرى صوت حذاء إسماعيل ياسين "بيزيق" فى أحد أفلامه التى أراد أن يكون فيها مخبرا سريا ويراقب أحد الأشخاص ففضحه حذاءه وسمع من يراقبه كل خطواته، وكأنك ترى الفنان هانى رمزى مجسدا شخصية سلطان فى فيلم "غبى منه فيه"، وهو يخطط لسرقة بنك ويجلس مع صديقه "نصة"، ويضعان خطتهما فيقول له والغباء ينضح منهما "شكلك فاهم يانصة".
تضحك من هذا الاجتماع وما حدث فيه وحتى من اعتذار الست باكينام بعده لأنها "سهى عليها" فنسيت أن تخبر الحاضرين أن الاجتماع مذاع على الهواء، تضحك حتى تبكى على حال مصر وما وصلت إليه، ومن الشفافية التى برر بها البعض هذه الفضيحة بإذاعة هذا الاجتماع على الهواء، ولا تملك إلا أن تحمد الله- الذى لا يحمد على مكروه سواه- لأنه لم يحضر مثل هذا الاجتماع ممثلون عن الجيش والمخابرات، وإلا كان يمكن اعتبار هذا الاجتماع وما قيل فيه بمثابة إعلان للحرب وإقرار لما اقترحه بعض من حضروا هذا الاجتماع من افتكاسات مخابراتية وعسكرية.
فمن متابعتك لهذا الاجتماع الكوميدى تدرك أن أثيوبيا عداها العيب و"أزح" لأنها لن تجد فرصة أو ظرفا تاريخيا أفضل من هذه الكبوة التى تمر بها مصر، وهذا البلاء والابتلاء حتى تحقق أهدافها، وتتم بناء سد النهضة أو حتى تقطع عنا مياه النيل بشكل كامل وهى على ثقة من أن نظاما كهذا الذى لا يصلح إلا لأداء الأدوار الكوميدية لا يمكن أن يوقفها عما بدأته.
ولا نملك حيال كل هذا إلا أن نقول "حسبنا الله ونعم الوكيل يا أمة ضحكت من شفافيتها الأمم!!".
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة