حين تم تعيين وزير الثقافة الجديد الدكتور علاء عبدالعزيز الذى لم أشرف بمعرفته من قبل قرأت سيرته الذاتية فعرفت أنه مدرس فى معهد السينما ومونتير، ورغم أنى من خريجى هذا المعهد ومن أهل الثقافة السينمائية فإننى لم أكن أيضا قد شرفت بمعرفته حقاً أو اسماً، ولكن لم أتصور عيبا فى هذا يخص شخص الوزير ولكنه قد يكون جهلا منى، فأما كونه من أهل السينما يضعه بالتأكيد فى عالم الثقافة وأما كونه متخصصاً فى المونتاج وهو واحد من أهم الفنون السينمائية بل الاختراعات البشرية يضعه أيضاً وبجدارة فى قائمة من يتعاملون ويتعاطون الثقافة.
ورغم شكى المسبق فى اختيارات د. قنديل لرجال وزارته الميمونة فإننى فى محاولة للحفاظ على عقلى وما أزعمه من موضوعية قررت ألا أكون من مهاجمى الرجل ولِمَ أكون؟!
ولم أركن إلى اتهامات مسبقة بتجاوزات تبدو أخلاقية ربما حقيقية أو زائفة كما لم أضع فى اعتبارى ما ردده البعض من أن كل مقومات أسباب اختيار الرجل لهذا المنصب الرفيع مقالة مكتوبة فى صحيفة الإخوان وربما بعض الاتهامات الأخرى.
كل ذلك لم ألتفت له كما سبق أن أشرت فى محاولة لأكون موضوعية هادئة فى زمن مجنون وقلت ومن يدرينا ربما يكون الرجل فعلاً اسما مجهولا، ولكن لنعطه فرصة وننتظر خاصة أنه مسؤول عن وزارة شديدة الأهمية بالنسبة لمصر، والأهم أنها وزارة فسادها ليس للركب ولكن للحنجرة وأن مسؤولية مثل هذه الوزارة ذات القطاعات العديدة المترامية الأطراف فى كل طول مصر وعرضها تحتاج من أى وزير لمهلة لالتقاط الأنفاس لو كان من أهلها فما بال الرجل ليس من أهلها أى ليس عاملاً سابقاً بها فيعرف بعض دروبها.
وللحق لم يطل انتظارى كثيرا ليس تأثراً بهجوم من هنا أو هناك أو اعتصام ضده من هذا أو ذاك لأن الهجوم والاعتصامات صارت تتم بحق أو دون حق فى هذا الوقت الملتبس، ولكن جلست أرقب قرارات الوزير الأولى والثانية والثالثة فوجدت غشامة تصرفات وسوء إدارة لا تنم عن أدنى حد من الإرادة لمواجهة فساد أو غيره بل على العكس فكل تصرفات وقرارات الدكتور علاء عبدالعزيز حتى الآن تنم عن رغبة فى تأصيل فساد جديد على أنقاض فساد قديم وللأسف كمان بغشامة، وكذلك تنم عن عقد شخصية ونفسية كثيرة تؤثر فى صناعة قراراته مما يعيدنا إلى مطلب ضرورة الكشف النفسى عن المسؤولين فى هذا البلد، ودعونى أسرد أسباب ما بنيت عليه رأيى فيما يخص قرارات الوزير:
- قرر الوزير بعد أيام من توليه المسؤولية إنهاء انتداب كل أو أغلب قيادات الوزارة مثل أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب ثم إيناس عبدالدايم مديرة الأوبرا وغيرهما، وهو تصرف أهوج ينم عن قصر نظر ومحدودية فكر، فالرجل لم يعط لنفسه وهو حديث العهد بالمكان أى فرصة لكى يتعرف على ملامحه من أصحابه، ثم لو أنه أراد فعلا كما يعلن تغيير الوجوه وتحديث الحياة الثقافية وغلق باب الفساد ويملك الفطنة لكان أولى به أن يلغى الانتداب كلية فى وزارته دون تحديد لأشخاص وكان هذا كفيلا بأن يبعد كل الرئاسات الحالية دون أن يبدو الأمر خصومة شخصية فردية أو تربصا، ولكن الرجل ألغى انتداب الأشخاص وأبقى على الانتداب نفسه وهو باب الغواية فمن شأنه أن يُبقى على آلية تعيين الموالين دون الكفاءات وفى ذلك استمرار للفساد.
- منذ أقل من عام قرر وزير الثقافة السابق تعيين رئيس جديد للبيت الفنى للمسرح، ولكى يعلى من مبدأ الشفافية قرر أن يكون التعيين بمسابقة يتقدم لها من يرى فى نفسه القدرة على إدارة القطاع وبالفعل تقدم عدد من المسرحيين وتمت إجراءات المسابقة ولم تعلن نتيجتها حتى الآن.
فجاء الوزير الجديد الذى كان يجب أن يعلن نتيجة المسابقة ويعلن اسم المسؤول الجديد، ولكن للعجب فقد تغاضى الوزير عن المسابقة ونتيجتها وعين الفنان فتوح أحمد رئيساً وهو لم يكن حتى من المتقدمين فى المسابقة، فأين الشفافية وما هى مقومات الاختيار مع كامل احترامى لشخص الفنان فتوح أحمد.
- ثالثة أو رابعة أو ربما خامسة الأثافى التى تنم عن جهل بأصول الإدارة لدى وزير الثقافة هو إعلانه عن تعيين مديرى المسارح بالانتخاب.. يا نهار أسود.. أهكذا تدار المسارح.. الديمقراطية قد تحكم الشعوب ولكنها لا تحكم المسارح بل تحكمها الكفاءة، فرُب رجل يلتف حوله العاملون لأنه متساهل معهم ولكنه غير كفء فيكون مدير مسرح كارثيا. الفن يا سيادة الوزير لا يخضع لقواعد الديمقراطية إلا لدى الجمهور الذى يقرر أن يشاهد أو يهجر عملا فنيا، ولكن إدارة الفن والمسرح انضباط وكفاءة وموهبة وخير وبركة لو كانت الأغلبية متفقة عليه ولكن إن لم تتفق فليس شرطاً للنجاح.
- السيد وزير الثقافة ابتدع منصباً جديداً أطلق عليه مستشار المسرح الوطنى أو شيئا من هذا القبيل ومنحه للدكتور سخسوخ، وللحق فإننا فيما مضى كفرنا من وظيفة المستشار التى لم تكن إلا لقبا يُمنح لأهل الثقة أو مكافأة نهاية خدمة، ويبدو أن الأمر لم يختلف بل مؤكد أنه لم ولن يختلف.
- مكتبة الأسرة مشروع عظيم أتاح للكثيرين القراءة بعد هجر، لأنه جعل الكتاب فى متناول الجميع بعد أن بدت قراءة الكتب رفاهية ليست من حق الجميع، ولا ينقص من قيمة الفكرة أن سوزان مبارك هى صاحبة وراعية الفكرة بل لا يجب أن نهيل عليها التراب، وهو مشروع يجب أن يستمر ويتطور وللحق هو اسم على مسمى، ولكن أن يطالب الوزير الجديد أو يوافق على تغيير اسم هذا المشروع إلى مكتبة الثورة، تصرف لا ينم إلا عن ضيق أفق فى أفضل الأحوال ونفاق وجهالة فى أسوأها.
- نحن إذن أمام رجل تولى حقيبة الثقافة فى مصر وهو غير مؤهل بأفعاله لمهمة الإدارة أما أقواله كما تابعتها فى حديث له فتلك مصيبة أخرى، ولكنى سأكتفى بالأفعال التى تنم عن ضيق أفق وجهل بمعنى الثقافة وقيمتها لمصر، وعدم القدرة على الإدارة والرغبة فى خلق تصادمات دائمة دون نتيجة مرجوة من محاربة فساد أو إصلاح.
منذ عقود فقدت مصر قوتها وريادتها فى المنطقة العربية والأفريقية فى كل المجالات السياسية والاقتصادية ولم يكن لدينا إلا بعض من ثقافة وفن نشعر معه بتميزنا حيثما ذهبنا، حتى أن جلسة العار الوطنى التى بثوها على الهواء بخصوص سد النهضة ذُكر فيها اسم عادل إمام ونور الشريف أكثر مما ذُكر فيها شىء آخر، ولكن يبدو أن وزير الثقافة الحالى ومن جاء به قرر أن يهيل على ثقافة مصر التراب بقصد وكأن المشرحة ناقصة قتلى.