الإدارة الأمريكية مازالت تراهن حتى الآن على نظام الإخوان الحاكم فى مصر، فالجماعة ورئيسها قدموا للأمريكان تنازلات لم يجرؤ رئيس النظام السابق على تقديمها للحفاظ على المصالح الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة الأمريكية فى المنطقة، والحفاظ على أمن اسرائيل، التعاون الأمنى مع تل أبيب فى أزهى صوره فى ظل نظام الإخوان الذين صدعونا ومازالوا يصدعوننا بفتح باب الجهاد و«ع القدس رايحين شهداء بالملايين»، الشعارات التى خدعوا الشعب بها طوال السنوات الماضية اختفت بمجرد الوصول إلى الحكم، فليس هناك مانع الآن أمام «ملايين الشهداء» من الذهاب لتحرير القدس والأراضى الفلسطينية، لكن وفقاً لفقه الضرورات والانتهازية السياسية، فلن يحدث حتى المساس بأمن إسرائيل، ولن تطلق رصاصة واحدة تجاه تل أبيب من غزة أو سيناء، فالاتفاق بين حماس وإسرائيل بضمانة وبرعاية شخصية من رئيس الإخوان، ونشر بطاريات التجسس على طول الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة - الذى رفضه مبارك فى السابق - وافق عليه الرئيس الإخوانى نفسه وبضغط أمريكى.
من هناك جاءت الصفقة السرية بين واشنطن والإخوان بتمرير المساعدات العسكرية السنوية والتى تبلغ 1.3 مليار دولار بإلحاح وضغط من وزير الخارجية الأمريكى المتعاطف مع الإخوان، ومن أنصار ضرورة منح الفرصة لهم، لأنهم بصراحة «كنز استراتيجى» جديد للمصالح الأمريكية والإسرائيلية بغض النظر عن إدارة الحكم الفاشلة، والعاجزة فى مصر، وتراجع الحريات، وتعثر المسار الديمقراطى، تبرير كيرى بأن الإخوان فى غاية الالتزام بالأمن القومى لأمريكا وإسرائيل، كما لم يحدث فى عهد مبارك، أما غضب الشعب ورفضه لهم، فمازال فى بدايته ولن يتحول رأى الإدارة الأمريكية فى نظام الإخوان، إلا إذا كانت ثورة الشعب أكبر مما تحتمل الإدارة الأمريكية التى يتنازعها شعور الإحباط من تدنى الأداء السياسى للإخوان، واستمرارية المراهنة عليهم حتى استنفاد جميع الأغراض من الجماعة، هدية كيرى السرية للإخوان التى كشف عنها موقع «ديلى بيست» الأمريكى، تثير غضب الآراء التى تطالب بالتخلى عن الإخوان، والتركيز مع الجيش الذى بدأ يستعيد ثقة الشعب فيه بعد التجربة المريرة للمجلس العسكرى فى الحكم، فى ظل استمرار الانتهاكات وتراجع الحريات وحقوق الإنسان خلال الفترة الماضية من عهد مرسى، وأضيف إليه غضب الكونجرس من قرار إدانة الموظفين الأمريكيين التابعين للمنظمات غير الحكومية بالسجن فى قضية التمويل الأجنبى ومطالبة بعض المؤثرين فيه بالتلويح بقطع المساعدات.
لم يعد للإخوان سوى الأمريكان، فأوروبا نفضت يدها أو على الأقل تبدو غير متحمسة فى الاندفاع نحو علاقات قوية مع نظام الإخوان، وعدد من دول الخليج أو معظمها، تتخذ موقفاً عدائياً من الجماعة ونظامها، ودول حوض النيل أدارت وجهها عن القاهرة، والخطوة التى قام بها كيرى لضمان استمرار المساعدات العسكرية، تؤكد أن العلاقة فى نهايتها و«الهدية السرية» لوزير الخارجية الأمريكية هى الفرصة الأخيرة للإخوان فى حالة استمرار تدنى الأداء السياسى لهم فى إدارة شؤون البلاد، لأن الاستقرار الداخلى يضمن الحفاظ على المصالح الأمريكية، وتزايد حدة الغضب الشعبى ضد مرسى والإخوان دائماً ما تصيب العلاقات الأمريكية المصرية، العد التنازلى فى العلاقة الإخوانية الأمريكية بدأت بوادره تلوح فى الأفق، وصفحة النهاية أوشكت على الاقتراب.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة