الثورات لا تنتهى بين يوم وليلة.. الطريق لا ينتهى بتنحى رئيس، أو خلعه، أو هروبه أو حتى قتله.. الثورات تستقر عندما تحقق أهدافها وغاياتها، ومطالب الملايين التى خرجت تنادى بها، وترفع شعارات الحرية والعدل والمساواة والحق.. مسار الثورة قد يتعثر ويتشتت ويرتبك ويصاب الناس بالإحباط، بسبب عدم تحقيق الأهداف والشعارات التى نادوا بها سريعا، والإحساس بأن من قفز على السلطة واستولى عليها ليس ما كانوا يتمنونه. الثورة الفرنسية استغرقت 10 سنوات منذ أن قامت عام 1889 وحتى عام 1899، تم خلالها رفع ما عرف باسم مبادئ التنوير، وهى المساواة فى الحقوق والمواطنة والحرية ومحو الأفكار السائدة عن التقاليد والتسلسل الهرمى، والطبقة الأرستقراطية، والسلطتين الملكية والدينية. لكن مسار الثورة الفرنسية لم يكن مستقيما، وشهد تعرجات كثيرة وانحرافات عن الأهداف تسببت فى فوضى تشريعية، وخلل فى النظام السياسى، واضطرابات اجتماعية وسياسية جديدة.
لم تستقر الثورة الفرنسية إلا عبر ثلاث مراحل، الأولى هى فترة الملكية الدستورية التى شهدت تأسيس الجمعية الوطنية، واحتلال سجن الباستيل، وإلغاء الحقوق الفيودالية، وإصدار بيان حقوق الإنسان، ووضع أول دستور للبلاد. والمرحلة الثانية بداية النظام الجمهورى، وتصاعد التيار الثورى، حيث تم إعلان إلغاء الملكية، ثم إعدام الملك، وإقامة نظام جمهورى متشدد. أما المرحلة الثالثة هى فترة تراجع التيار الثورى، وعودة البورجوازية المعتدلة التى سيطرت على الحكم ووضعت دستورا جديدا، وتحالفت مع الجيش، كما شجعت الضابط نابليون بونابارت للقيام بانقلاب عسكرى، ووضع حدا للثورة، وإقامة نظام ديكتاتورى توسعى.
النماذج الثورية الأخرى فى أوروبا وتحديدا فى الدول الشرقية، لم تهدأ الأوضاع فيها بمجرد الثورة على الطغاة، ونظم الحكم الاستبدادية، بل استغرقت وقتا ليس بالقصير حتى يحكم الثوار الحقيقيون. وحتى الدول التى انتخبت رؤساءها لم تكن «شرعية الصناديق» التى جاءت بالرئيس المنتخب، سيفا مسلطا على رقاب الشعوب، وزواجا كاثوليكيا مؤبدا، فالشرعية لا تمنح الرئيس صك الاستبداد واتخاذ ما يراه من أحكام ،وقرارات تخل بالعقد الاجتماعى بينه وبين الشعب. فى الإكوادور مثلا وبعد ستة أشهر من انتخاب الرئيس عبدالله أبوكرم تم عزله «لعدم كفاءته وأهليته للحكم». ولم يتحجج أبو كرم بالصندوق والشرعية.