تُعاد الأخطاء وكأننا ندور فى دائرة قطرها أضيق من خرم الأبرة، وأضطر أحيانا إلى إعادة نشر بعض ما كتبت لك مسبقا، تأكيدا على الفكرة القائلة بأننا لسنا «شطار» ولا نتعلم من التكرار.. هذه الكلمات أعيدها الآن على قلبك، مستغلا بركة الأيام الأولى من الشهر الرمضانى الكريم، ومستدعيا بعضا من الإنسانية التى تعشش بداخلنا، وأصبحت محل شك بعد نبرات الشماتة والاستهتار بالجثث والدماء التى سقطت ضحايا اشتباكات الحرس الجمهورى.
لا أعرف من أين جاء كل هذا الاشتهاء المصرى للدم، ولا أعرف طبيعة هؤلاء الذين اخترعت عقولهم مصطلحات «الشعب المصرى متدين بطبعه»، و«الشعب المصرى أطيب شعوب العالم»، إلى آخر قصيدة التفخيم التى لا نشاهد منها على أرض الواقع شيئا.
ها نحن قد عبرنا موجات التظاهر الخاصة بـ 30 يونيو، وانقسم الوطن على نفسه، وتحولنا جميعا إلى قرود راقصة فى ساحة قتال يشتاق كل من ينوى الوقوف على أرضها للدم، وكأن الدم الذى شمت بعض رموز القوى السياسية فى سقوطه بشارع صلاح سالم، أو يهدد عاصم عبدالماجد باستحلاله، أو يتوعد بعض المعارضين بتحويله إلى لون أرضيات شوارع العاصمة ليس دم أخ، أو جار، أو رفيق مكتب، أو رحلة أتوبيس نقل عام أو ميكروباص، أو شريك فى حمل إرث الهم والفقر والجهل والمرض الذى تركه مبارك ورحل!
الأزمة تتضخم مع اليقين الذى أصبح كامنا فى نفوسنا بأن بداية اشتباكات جديدة فى شوارع مصر تعنى المزيد من الدماء والشهداء والمصابين والفوضى، مع شعور بأن كل شىء سوف ينتهى إلى لا شىء.. بلا متهمين، بلا قصاص، بلا حلول دائمة.
يطاردنى البعض – شامتا أحياناً، وكثيراً ساخراً – بالكثير من السطور التى كتبتها فى الفترة ما بين 2005 حتى 2010 دفاعاً عن خيرت الشاطر، ورفاقه ممن استباح نظام مبارك مالهم، وحريتهم، وممتلكاتهم.
كتبت وقتها فى جريدة «الدستور» عن الثمن الذى دفعه الرجل، وأهل بيته من مالهم وحرياتهم ومستقبلهم، من أجل الدفاع عن فكرة يؤمنون بها، نختلف أو نتفق عليها ليس هذا هو المهم، ويسألنى المطاردون الآن: هل تشعر بالندم من اتهامات الكفر، وعداوة المشروع الإسلامى التى يلاحقك بها شباب الإخوان؟، هل تشعر بالندم وأنت تشاهد الشاطر ومرسى والعريان والمرشد وهم يحولون مصر إلى ساحة قتال، ويريدونها خرابا من أجل كرسى السلطة؟.. أتفهم صدمة البعض من أداء الإخوان المسلمين، وأتفهم كيف نجحت غطرسة وغرور قيادات إخوانية مثل صبحى صالح، وخيرت الشاطر، والبلتاجى، ومحمد مراد فى تحويل الخصومة السياسية مع الجماعة إلى كراهية، ونفور اجتماعى.. وأتفهم أيضا أن استدعاء قيادات الإخوان للتدخل الأجنبى، والتهديد بخراب البلد إن لم يعودوا للسلطة جعلهم خصما لكل المصريين.. وأتفهم كذلك أن فشل محمد مرسى، وضعفه، وقلة حيلته البادية فى طريقة إدارته للأمور حوّلت جماعة الإخوان والرئيس فى عيون الناس من جماعة سياسية كانوا يظنون الخير فى قدرتها وقوتها التنظيمية، إلى مجرد «صُحبة» اجتمعت على إدارة «كشك»، ولا تصلح لإدارة دولة.
أتفهم كل ما سبق، ولكن لا أجده سبباً صالحاً لأن يزور الندم بعضنا على ما قدمناه من دعم معنوى وسياسى وإعلامى لمعتقلى الإخوان فى زمن مبارك، ولا أجده سببا لكى يدعو بعضنا البعض للمشاركة فى حفلات دموية من أجل القضاء التام على الإخوان، وإبعادهم من المشد، وكأن الإخوان ومن يمثلونهم أعداء فى معركة حربية، وليسوا مجرد خصم سياسى.
كل الأكاذيب والألاعيب باسم الدين التى مارسها ويمارسها قيادات الإخوان من أجل الحفاظ على السلطة ربما تكون أمرا كاشفا لانتهازية تيار سياسى، لكنها لا تصلح أبدا لكى تكون سببا فى أن يرفع البعض شعارا يقول بأن مصر الآن عبارة عن إخوان ضد مصريين.. الإخوان يا عزيزى خسروا الكثير سياسيا، وخسروا التعاطف الشعبى مع قصة اضطهادهم التى نجحوا فى «أسطرتها»، أى جعلها أسطورة، وخسروا مصداقية شعار «الإسلام هو الحل»، وخسروا صورة جماعة الدين والدنيا التى استقرت لبعض الوقت فى أذهان الناس، لكنهم لم يخسروا بعد جنسيتهم.. وإن خرجوا هم عن سياق تعاليم الدين، وفجروا فى الخصومة، واتهموك بالكفر وعداوة المشروع الإسلامى، فلا تتطرف أنت وتدعو لعزلهم وتحرمهم من مصريتهم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة