د. محمد على يوسف

صناعة الإرهاب

الأربعاء، 10 يوليو 2013 09:25 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أُطفئت الأنوار، واعتدل الجمهور فى كراسيهم، واستعدوا لمشاهدة فيلم إسماعيل ياسين الجديد «الآنسة حنفى»، وتجهز كل منهم لسهرة من الفكاهة يقضونها أمام الشاشة العملاقة بسينما «ريفولى» بوسط القاهرة، تعالى من بعيد صوت دوران الشريط السينمائى، لكن الشاشة أضاءت بأفيش ذى كلمات مختلفة.. «عيون ساهرة».. لكن ليس هذا ما جئنا من أجل مشاهدته، نعم نعم.. إنها جريدة «مصر» السينمائية التى تُبث فى بداية الحفلة بإشراف الهيئة العامة للاستعلامات، التى أنشئت بعد انقلاب الضباط الأحرار منذ عامين تقريبا.. لا بأس من بعض الدقائق نتابع فيها ما يريد لنا مجلس قيادة الثورة أن نعرفه ونعتقده فى زمان لم يعرف التلفاز بعد، ولم يسمع بالقنوات الفضائية أو التوك شو.
بدأ الفيلم التوجيهى القصير بمقدمة عن عظمة مصر وجمال عاصمتها ونهضتها ومدنيتها فى الخمسينيات.. لكن قوى الشر - على حد وصف الفيلم- اختارتها مركزا لهيئة التعصب والإرهاب والقتل والتدمير التى لم تعرف الحق يوما والإسلام منها براء.. ثم بدأ عرض صور لما سماه المعلق بجرائم الإرهابيين وأسلحتهم الفتاكة وصور المنشآت والمبانى التى أرادوا أن يفجروها حتى المستشفيات لم تكن بعيدة عن نياتهم المتفجرة، التى لا يعلم أحد من المشاهدين شيئا عن مصدر اطلاع المعلق ومحركيه على تلك النوايا التى لا يعلمها إلا الله!! لكن الله سلم، وقررت إرادة الشعب التى هى- على حسب قول المعلق- من إرادة الله أن توقف أولئك «الإرهابيين» أمام محكمة الشعب «العسكرية» ليصدر «الشعب» حكمه وليقول «الشعب برضه» كلمته.. وهنا ينتهى الفيلم القصير، ليبدأ الفيلم الطويل «الآنسة حنفى»، ولتتعالى ضحكات المشاهدين.
أعوام تمر وتتغير وسائل تشكيل الوعى الجمعى لتصبح أقل مباشرة، وبدلا من أن توصل الرسالة بشكل واضح كما فى الجريدة السينمائية، صارت تبث من خلال الأعمال الدرامية من أفلام ومسلسلات التسعينيات، التى جعلتنى يوما فى مراهقتى أخشى المرور أمام بعض المساجد التى يرتادها أصحاب هذا السمت الذى رأيته مستعارا على وجه عادل إمام وبجواره كلمة «الإرهابى»!!
جعلتنى يوما أعتقد أن القميص الأبيض القصير الذى يرتدونه يخفى تحته شتى أنواع الأسلحة الفتاكة التى ينتظر هذا «الإرهابى» اللحظة المناسبة ليفرغها فى صدرى، ظننت أن هذه المراحل من التوجيه المعنوى المباشر وغير المباشر قد انتهت، خصوصا بعد أن انتشرت الدعوة وصارت لا تخلو عائلة أو جيرة من أحد أصحاب هذا السمت، وعاملهم الناس فاختلفوا أو اتفقوا وأحبوا أو كرهوا لكنهم أدركوا أنهم ليسوا كما صُور لهم، وأنهم كسائر الخلق منهم الصالح والطالح والمتسامح والمتعصب والمنفر والداعى إلى الله على حكمة وبصيرة.
ظننت أن فكرة التنميط والسلة الواحدة قد رحلت بلا رجعة، خصوصا أنها أثبتت فى العالم كله عدم جدواها وربما أثرها العكسى.
لكن يبدو أننى كنت مخطئا! فالبعض يصر على تسليم عقله للمتاجرين به، والذين يحرصون على تنميط تلك الفئة لتتحمل جميع أوزار من أخطأ أو زل أو حتى ضل فيبثون بداخله كل يوم لساعات أن هؤلاء جميعا مجرد إرهابيين، ومهما استنكروا، أو أنكروا، ومهما أوضحوا حرصهم على الدماء، ورفضهم لإراقتها من أى طرف، فإن الشكل الجديد من التوجيه المعنوى الليلى يصر على حصرهم فى ذلك المربع، هل الحل أن يُشَيطن فريق من الناس ويصير الأصل أنه مدان دوما فى نظر من حوله ليعيش متهما غريبا بينهم؟! وهل يتصور أن يستقر وطن يعامل أحد فصائله بتلك الطريقة ويعاقب جميع أفراده بعقاب جماعى لا يفرق بين مخطئ ومصيب وتبرر الدماء التى تراق دائما بأن أصحابها إرهابيون؟ يؤسفنى أن أقول إن هذا المسلك هو حقا ما يصنع الإرهاب!!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة