فى عالم المعلومات من الصعب أن يستمر الخداع طوال الوقت، خاصة إذا كان هذا الطرف اعتاد الكذب ولا يمكن تصديقه حتى لو اعترف أنه يكذب. عندما خرج الملايين فى الشوارع أكثر مما كان فى يناير غضبا ورفضا للفشل، اكتفى الفاشلون بالقول أنها فوتوشوب. وظلوا فى فشلهم وإنكارهم، حتى أسقطهم الشعب.
فى أحداث الحرس الجمهورى لم ينشغلوا بالدم بقدر ما انشغلوا بالكاميرات وما يمكن أن يحققوه من انتصارات، وتجاهلوا الدم وتجاهلوا أيضا أنهم فى عصر الكاميرات. وأن كاميرا واحدة لا تكفى، وفيديو واحد لا يقدم كل الحقيقة، لكن الضحايا يدفعون الثمن من دمهم وحياتهم دائما. ويبدو أن من خطط لها كان يتصور أنه سيحولها إلى نصر حتى ولو على حساب الدم. ولهذا لجأوا إلى التلفيق والكذب، بينما الدم كان كافيا للتعبير، ثم أن الكاميرات كشفت الضحايا، وأيضا المتآمرين الأغبياء.
المؤكد أن هناك ضحايا دمهم واحد لا يمكن التفرقة بينهم لأنهم جميعا مواطنون مصريون. لكن الموقعة سبقتها عمليات شحن وتحريض، بل واستعدادات حتى قبل أن تقع، رأينا خطابات زعماء التهديد والدم، الذين لا يجيدون حتى وهم يعبرون عن قضيتهم إلا التهديد. أولا أنكروا على الشعب غضبه وانهيار الثقة فى نظام الإخوان والدكتور مرسى.
ثم إن قيادات الجماعة يعترفون فقط بدم من معهم، بينما المصريون يعترفون بالدم كله. ثم أن المحرضين لا يردون على مشروعية اقتحام مؤسسة عسكرية ولا على حالة التحريض، وشحن الأبرياء ودفعهم للموت المجانى. بينما المحرضون أنفسهم تجاهلوا بل وسخروا من الدم مرات وتجاهلوه مرات ورفضوا اقتحام المنشآت العسكرية مرات.
الواقع وبشهادة الكاميرات يؤكد أن السادة الشاحنين يضحون بالفقراء والغلابة، لكن أى منهم لا يصاب ولو بخدش، وحتى مع تصديق نية الشباب المندفع وقناعتهم، حتى لو اختلفنا معها، نرى كبار القيادات تدفع بالشباب إلى التهلكة والصدام، وتحرضهم على قتل مواطنيهم، بينما هم نائمون فى منازلهم، أو محروسون، يكتفون بالظهور أمام الكاميرات. ويختبئون خلف الشباب، وهو أمر دفع الكثير من الشباب لإبداء تذمرهم، من أن الكبار وأبناءهم يكتفون بالظهور التلفزيونى، بينما الشباب يفقدون حياتهم وأعضاءهم، أو يتم القبض عليهم من الصفوف الأولى.
القيادات يحرضون الشباب ويشحنونه، ويدفعونه لمواجهات غير متكافئة، أمام الحرس وغيره، ثم يتاجرون بدمه، ولا يعترفون أنهم يفعلون ذلك لتحسين شروط التفاوض.
دعاة القتل أنفسهم كانوا جاهزين لتوظيف القتلى فى حرب الكاميرات، ولهذا لم ينفعل أى منهم وهم يشاهدون إرهابيين يلقون الأطفال من الأسطح فى الإسكندرية، ضمن نتاج تسميم العقول بأفكار القتل.
الازدواجية حاضرة، والفوتوشوب حاضر، والتزييف متوفر. وهؤلاء المحرضون كانوا سببا مباشرا فى تنفير الناس، ولم يقدموا طوال عام سوى الاتهامات والتهديدات وأغلبهم لا يعرف شيئا أكثر من الدم والتهديد والوعيد، أهل دنيا وطلاب سلطة وحتى هذه لا يجيدون استعمالها، ولا يعرفون أنهم فشلوا فى جمع التعاطف من الشعب الذى تعاطف معهم لاعتقاده أنهم مظلومون، لكنه رفض فشلهم، وخرج عليهم سلميا. وهو أمر ضاعف من عزلتهم. وظلوا فى حالة إنكار، والآن يضحون بالدم، من أجل كاميرات تمارس الكذب.