ليست المشكلة هى فض اعتصام رابعة العدوية، ولكن فى تطهير العقول من الخرافات الغريبة والشاذة، التى تلحق أشد الضرر بالإسلام والمسلمين، ولا أدرى كيف تهلل حناجر المعتصمين، عندما يقول صفوت حجازى: إنهم سيدفنون صورة مرسى مع قتلى الحرس الجمهورى، حتى تخفف عنهم أهوال عذاب القبر، وترتفع صيحات الله أكبر فى السماء، عندما يبشرهم شيخ طاعن فى السن بأن ثواب «وقفة رابعة» أكبر من «وقفة عرفات»، وغير ذلك من الحمام الأخضر الذى يقتل الحمام الأسود ثم يقف على كتف مرسى، أو الرؤية المباركة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من مرسى أن يؤمه فى الصلاة.. وهى أفكار أشد خطورة من الخرطوش والمولوتوف ونبال البلى والسنج والسيوف، وتفسر فرحة المصريين بثورة 30 يونيو التى أنقذت وطنهم من الضياع والوقوع فى براثن الجهل والتخلف والظلامية، وتخلصهم من طغمة طاغية لا تتورع أن تفعل أى شىء من أجل السلطة والحكم.
المهمة صعبة وثقيلة لاستعادة العقول المغيبة، التى اقتنعت بأن إزاحة مرسى بمثابة حرب ضد الإسلام والمسلمين، وأن جيشهم العظيم هو العدو الذى يطلق النار على المصلين، وأن الكذب مباح فى زمن الحرب حتى لو كان ترويج صور أطفال سوريين قتلى على أنهم مصريون، وتبرير رمى الأطفال من فوق العمارات، وضرب معارضيهم وتكسير عظامهم بصورة وحشية، ووفرت قيادات الإخوان وشيوخهم غطاءً دينيا لأطماعهم السياسية، ووصل الجنون ذروته عندما شعروا بأن مصر التى كانت فى قبضتهم ضاعت منهم، فانهارت أحلام الخلافة والإمارة التى انتظروها ثمانين عاما، وأيقظوا فتنة كبرى وقودها النار والدماء والفرقة، وملأوا عقول الجموع الغاضبة فى رابعة العدوية بمعتقدات دينية مشوهة، تقسّم أبناء الوطن الواحد إلى مؤمنين وكفار.
ثورة 30 يونيو كانت اللحظة الفاصلة لإنقاذ مصر من نموذج طالبان، وأوقفت سباق الإخوان مع الزمن لاستكمال مخطط أخونة البلاد والتهامها قطعة قطعة، وهذا ما يفسر إصرار مرسى وعناده على المضى فى أكذوبة الشرعية حتى نهايتها، ولو كان الثمن حرق مصر وقتل شعبها، والتف حوله أهله وعشيرته وطابور طويل من الإرهابيين المحترفين الذين أطلق سراحهم من السجون، ولكنهم فشلوا فى استخدام الإسلام كدروع واقية فى معركتهم الأخيرة، واستهجن المصريون فتوى «قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار»، واستنكروا استباحة حرمة الموت وهم يضعون القتلى فى طابور على الأرض، على غرار ما تفعله حماس للمتاجرة بهم فى الداخل والخارج، وانقلب السحر على الساحر باستنهاض الوعى لدى المصريين البسطاء، واقتناعهم بأن ما يحدث لا يمت للإسلام بصلة، وإنما جرائم إرهابية منظمة يريد الإخوان تحويلها إلى حرب دينية.
المهمة الصعبة هى استرجاع العقول المغيبة لآلاف المصريين الذين احتشد بعضهم فى رابعة العدوية، لأنهم جزء من شعب مصر وأهلها الطيبين الذين عاشوا يكرهون العنف والدماء، وإعادة إحياء المفاهيم الإسلامية الصحيحة، التى تخاطب العقول والقلوب وتنمى ملكة التفكير وتنشر المحبة والتسامح ومكارم الأخلاق، أما بوابة جهنم فهى خلط السياسة بالدين والدين بالسياسة، التى جعلت الدين مفسدة والسياسة خرافة، فمن يؤمن بأن «جبريل» يصلى الفجر فى رابعة العدوية، من السهل أن يقتنع بأن عزل مرسى يخالف شرع الله، ولا يرى فى الملايين التى خرجت تقول له «إرحل» إلا جيوش الكافرين.