أكرم القصاص - علا الشافعي

أكرم القصاص

نصف ميكافيلى الآخر

الخميس، 11 يوليو 2013 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ميكافيلى أكثر شخص يذكر اسمه فى عالم السياسة، يلعنه الحكام وهم يستنيرون بآرائه ونظرياته. هو لم يخترع أخلاق السياسة لكنه اكتشفها من عشرة القوم والحكام، وهى نظريات لا يحتاج إليها المحترفون، بل إنهم يضيفون إليها. الأهم أن من يفشل أو يطبق نظريات ميكافيلى بغباء فإنه يقع على جدور رقبته فتنكسر أو على الأقل ينفضح.

نقول هذا بمناسبة السيرك السياسى المنصوب طوال عامين ونصف، والسيرك الأكبر لجماعة الإخوان، التى تصور قياداتها أنهم الأذكى والأكثر فهما وعمقا وغيرهم لا يعرف. وأطاح بهم الغرور، ومازالوا يعيشون حالة إنكار. بينما الحقيقة أنهم شربوا ميكافيلى على الريق.
ميكافيلى تحدث عن الغاية التى تبرر الوسيلة، وهو أمر يمارسه السياسى يوميا عدة مرات، لكن الاختلاف عادة فى الشكل وليس فى المضمون، البعض يفعلها للصالح العام، والبعض يفعلها للصالح الخاص، والكل يقول إنه يفعلها للصالح العام ومن أجل الشعب.
لكن الحقيقة أيضا أن أغلب إن لم يكن كل من نجحوا فى السياسة والقيادة لم يقرأوا ميكافيلى، وغالبا من حاول استعماله هو الذى خسر لأنه طبق ميكافيلى بشكل خاطئ، هناك أنواع من الحكام موهوبون وليسوا فى حاجة لنصائح جافة. وميكافيلى كان يقدم نصائحه للأمير كيف يحكم حتى يستمر ولا يواجه ثورات أو يضعف فيسمح لغيره باستلاب سلطته التى يفشل فى استعمالها.

لقد ركز كثيرون على فكرة الغاية تبرر الوسيلة لكنهم تجاهلوا أن ميكافيلى نصح الأمير أن يهتم بالعدالة الاجتماعية والطبقات الشعبية، ولم يكن ميكافيلى اشتراكيا، لكنه كان يرى أن الطبقات الشعبية إذا جاعت وتعرت يمكن أن تأكل الحاكم، وهى نصيحة تدخل ضمن الغايات والوسائل، وهكذا ترجمتها الرأسمالية، التى اعتبرت الضرائب وتوزيع الدخول يضمن صمامات المجتمع.

ميكافيلى إذن ليس شريرا فقط، لكنه يفهم لكنه أيضا يقول للأمير إن تطبيق الغاية والوسيلة مرهون بالنجاح، وفى حال فشل هذه المخططات سيفشل هذا الحاكم ويقع على جذور رقبته، وبالتالى فإن ألاعيب السياسية والمناورات لها قواعد وأسس، وتحتاج حاكما يكون موهوبا، وليس إلى جماعة تسعى فقط لحكم لا تمتلك وسائله. بل إن ميكافيلى يتحدث عن الحاكم الضعيف الغبى الذى يترك القرار فى يد جماعة أو شخص، فهذا الحاكم مصيره الهلاك سينقلب عليه معاونوه أولا، أو غيره، لأنه يهين نفسه ويسلم قراره لجماعته. أيضا عن الحاكم الغبى الذى يظن نفسه ذكيا، بينما يكون خبثه مفضوحا ومكشوفا ومضحكا.
ولم يكن ميكافيلى مخترعا لكنه اكتشف، ويبدو تلميذا فى مدارس الحكام الذين يفوقونه بسنوات، وقد رأينا حكاما نجحوا فى التخلص من منافسيهم، وحكموا سنوات أو عقودا، لأنهم استوعبوا الدرس كله وليس جزءا منه.

ميكافيلى أيضا كان يوصى حاكمه بأنه إذا وجد منافسا أو خصما يجب أن يقضى عليه بلا بواق ولا فضل، وينصح الحاكم إذا ازدادت كراهية الشعب له أن يسارع بإقالة الوزير أو عقابه حتى يمسح آثامه فى الوزير أو الحكومة.

بما يعنى أن دروس ميكافيلى هى دروس شاملة ولا تمارس بالقطاعى لأن الاستعمال الخاطئ لها يضر بالحاكم ويطيح به. لأنه لم يستوعب نصف ميكافيلى الآخر.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة