لم أكن لأعترض على ما يسمى بالمصالحة الوطنية، فلا يمكن أن يعيش المواطن هانئا فى بلده، وهو يشعر أن هناك فصيلا كبيرا يعانى من حالة احتقان كبيرة قد تصل به إلى أن يصبح قنبلة موقوتة، تنفجر فى وجوهنا فى أى وقت، ولا يمكن أن يتحول الوطن الذى أردناه حضاريا متحضرا ديمقراطيا راقيا إلى وطن قاس مقصٍ عنصرى، فالصلح «خير» كما نعلم جميعا، وليس هناك أجمل ولا أروع من وطن كبير يضم إليه جميع أبنائه بمحبة وحنان، وهو الأمر الذى يجعلنا جميعا مرتاحين إلى فكرة «المصالحة الوطنية» التى من الممكن أن تساهم فى تهدئة الأجواء والتفرغ للبناء، لكنى بعد هذه المقدمة المثالية التى لن تقنع الكثيرين سواء فى معسكر الثورة أو فى معسكر الإخوان أسجل هنا تخوفى من أن تصبح كلمة «المصالحة» سيئة السمعة، وأن يصبح تكرارها «عمال على بطال» دليل ضعف، وأن يصبح الإلحاح عليها برهانا على الإدانة، خاصة فى ظل حالة الاستعلاء والتصعيد التى تمارسها الجماعة دون سقف. أكرر أننى لست معترضا على فكرة «المصالحة» لكنى أعترض وبشدة على تلك الطريقة التى يتم عرضها بها، فقد مد الثوار أيديهم إلى الإخوان مرارا وتكرارا، وهم يتكبرون، معتقدين بأنهم الحق ودونهم الباطل، غير معترفين بأن ما حدث فى مصر ثورة شعبية، شارك فيها عشرات الملايين من أبناء مصر، وغير مدركين أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، كما أن هناك أمرا غاية فى الخطورة وهو أنه من الممكن أن تقبل الجماعة «ظاهريا» بالمصالحة، ثم تطلق أتباعها ليعيثوا فى الأرض فسادا كما يفعلون الآن، وهو ما يجعل تكرار عرض «المصالحة» حجة على الثورة وليس حجة لها، ولهذا أرى أنه من الواجب علينا الآن أن نكف عن ترديد هذه الكلمة الفضفافة، وأن يسارع السيد المستشار عدلى منصور رئيس الجمهورية المؤقت بأن يتقدم إلى المجتمع المصرى بوثيقة شاملة للمصالحة الوطنية العادلة، على أن تشمل هذه الوثيقة ما يلى:
أولا، يجب أن يكون القانون حاكما للمصالحة محددا لها، فلا تصالح على الدم، ولا تهاون فى فساد أو استغلال مؤسسات الدولة، وفى حالة جماعة الإخوان، يجب أن يقر الإخوان قبل إتمام المصالحة بتقنين أوضاعهم وجماعتهم، والإعلان عن مصادر تمويلهم وأوجه إنفاقها فى إطار القانون، والإعلان الدستورى القائم.
ثانيا: إذا ما كان هناك ضرورة للمصالحة مع تنظيم الإخوان، فيجب أن يتعهدوا بألا يلجأوا للعنف، وأن يعترفوا اعترافا شاملا بثورة يونيو المجيدة، ويقروا بأخطائهم فى حق الشعب المصرى ومؤسساته.
ثالثا: يجب أن تتسم المعارضة بالشمول، بما يعنى أنه يجب أن يستفيد كل المصريين من هذه المصالحة، سواء كانوا من فلول الوطنى أو من أذناب الجماعة أو غيرهم من الطوائف والفصائل، وفى الحقيقة فإنى أرى أن التصالح مع من يسمون بفلول الوطنى أجدى وأنفع، بشرط ألا يكونوا مدانين بفساد أو إجرام، فعلى الأقل فلول الوطنى لم يحرقوا ولم يقتلوا، ولم يستعينوا بأجانب من أجل ترسيخ حكمهم.
رابعا: يجب أن تكون هذه المصالحة محددة المدة، بمعنى أن يتم عرضها على المجتمع، وبحث مواطن القوة ومواطن الضعف، ثم إجراء بعض التعديلات النهائية عليها، ثم طرحها مرة أخرى للتنفيذ بسقف زمنى محدد، فمن أراد صلحا كان له، ومن أراد عزلا كان له، وما أظن الإخوان بقابلين.