لا تشغل بالك كثيرا بالسؤال عن أسباب دعم تركيا غير المحدود للإخوان المسلمين عموما وللرئيس المعزول محمد مرسى على وجه الخصوص، فالمصالح وحدها هى ما تحرك تركيا، ومن مصلحتها أن يبقى على رأس مصر رئيس ضعيف مثل مرسى، خاصم العالم أجمع من أجل جماعته، ولم يبق له إلا تركيا وقناة الجزيرة، وهما الشريكان والحليفان فى مسيرة الهيمنة على الشرق الأوسط، ضمن المشروع العثمانى الجديد المصحوب بمباركة أمريكا والاتحاد الأوروبى، مستغلين فى هذا ثقل تركيا عالميا وأموال التنظيم الدولى محليا وانتهازية الإخوان داخليا، ولست من هؤلاء الرومانسيين الذين يأنفون من كلمة «المصالح» ويعتبرونها «عيب» بل على العكس تماما، أفضل أن تقوم علاقات الدول على المصالح لأنها تنقذنا من وهم الشعارات الرنانة التى أتت علينا، بشرط واحد فحسب، هو أن تكون هذه المصالح متوازنة، لا تنهب شعبا ولا تنتهك أرضا، ولا تنقص من سيادة أو استقلال، فهل هذه هى صيغة المصالح الإخوانية المصرية التركية؟ طبعا لا.
أول القصيدة فيما يخص علاقة الإخوان بتركيا، كفر بواح، فالجماعة رحبت بفكرة أن تنضم إلى المشروع العثمانى الذى يداعب رجب طيب أوردغان منذ فترة طويلة، على أن تختص لنفسها بالصفقات التركية دون غيرها، وكان عراب هذه الصفقات هو المهندس خيرت الشاطر نائب مرشد الجماعة الذى فتح أسواق مصر على مصراعيها للمنتجات التركية المتنوعة، بشرط وحيد هو أن يكون المستحوذ الرئيس لهذه المنتجات، وقد رأى «أوردوغان» أن هذا الوجود الاقتصادى بالإضافة إلى الوجود السياسى والفنى أكبر داعم لمشروع إحياء الخلافة العثمانية التى يسعى إليه، لتصبح مصر بعد أن كانت رائدة العالم العربى والشرق الأوسط مجرد «ولاية عثمانية تدين للولاء للخليفة العثمانى فى ثوبه الجديد.
ما ساعد فى هذا التقارب الإخوانى التركى هو موقف الجماعة تاريخيا من الخلافة العثمانية، فمؤسس الجماعة كان من أكبر داعمى فكرة إحياء الخلافة العثمانية وبدا هذا الأمر جليا فى المؤتمر الذى عقد فى العام 1927 الذى شارك فيه البنا قبل إنشاء الجماعة، وحتى بعد إنشاء الجماعة، كما أن البنا كان أحد تلامذة العالم رشيد رضا الذى كان يحارب فى شتى الجهات من أجل إحياء هذه الخلافة، كما ظلت علاقة الجماعة بالأحزاب ذات الصبغة الدينية متصلة منذ أمد بعيد وحتى وقتنا الحاضر، وهو الشىء الذى جعل رجب طيب أوردوغان يهرول نحو التقارب مع الإخوان المسلمين حتى قبل أن يتولوا مقاليد حكم مصر، لأنهم باعترافهم يسيدون «العثمانيين» على المصريين، ويعترفون لهم بالأفضلية، كما أنهم لا يمانعون إطلاقا من أن تظل مصر تابعة للمشروع العثمانى الحائز على مباركة أمريكا والممهور بخاتم أوباما الرئاسى.
طبيعى جدًّا بعد هذا السرد الموجز، أن ترى تركيا راعية لمؤتمر التنظيم الدولى للإخوان الذى يعمل على تخريب مصر والإساءة إلى جيشها ومصالحها الوطنية، فإن لم تبك تركيا على فقدان تابعها فى القاهرة، فعلى من يكون البكاء إذن؟ ما ضاعف من هياج تركيا وتخبطها إزاء هذا الملف الساخن هو معاناة رجب طيب مع شعبه هذه الأيام، خاصة بعد أن احتشدت الجماهير المنددة بحكمه فى الميادين التركية، وبعد أن بدأ انهيار مشروعه فى سوريا بمعاونة قطر، ولهذا لا يجد أوردوغان حرجا فى أن يعادى شعب مصر كله من أجل عيون الإخوان تحت مزاعم «شرعية مرسى» البائدة، فبانهيار دولة الإخوان فى مصر ينهار الحلم «العثمانى» فى عقل السيد رجب، واقتصاديا سينهار التوسع الاقتصادى وصفقات السمسرة المشبوهة، وسينهار حلم التوسع الإقليمى، وسينهار حلم مد السيادة التركية على الأراضى المصرية، وسينهار مشروع الربيع الإسلامى الأمريكى فى دولة الوطن العربى، كما سينهار حكم أوردوغان نفسه فى الداخل التركى، والعلاج الوحيد الذى فكر فيه «رجب» هو أن يعيد «مرسى» إلى الحكم ولو بالتآمر على شعب مصر لإعادة بلدنا ذى السيادة والاستقلال إلى حظيرة التابعين للحلم العثمانى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة