نحن لا نتعلم من أخطائنا ونكررها باستمرار.. فبعد ثورة 25 يناير تمت الإساءة إلى 20 مليون شخص ينتمون إلى الحزب الوطنى تحت عنوان «أمسك فلول».. بعضهم كانت علاقته بالحزب هى مجرد العضوية.. وبعضهم لم يكن يعرف عن فساد بعض كبار الحزب شيئاً.. وبعضهم كان شريفا وبعضهم كان أستاذا مرموقا فى الجامعة أو جراحا شهيراً.. أو انضم بحكم منصبه. نعم.. كان الحزب الوطنى فيه فساد عظيم لا ينكره أحد.. وكان هناك فاسدون كثر.. ولكن تعميم الأحكام والعقاب أضر بسمعة الكثير من الشرفاء منهم.. خاصة أمام أولادهم.
واليوم يكرر البعض نفس المأساة مع الإخوان.. فعناوين مثل «أمسك إخوان».. «الإخوان كاذبون».. وكأن الإخوان سبة فى جبين الوطن.. ويحاولون إلصاق التهم بهم زوراً وبهتاناً.. مع أن الإخوان مدرسة دعوية وتربوية وإسلامية عريقة وعظيمة علمت عشرات الأجيال الطاعة والعبادة والزهد والورع ومحبة الإسلام والأوطان.. والأخطاء السياسية والإدارية تحدث فى كل العصور.. وهى أخطاء اجتهاد وليست أخطاء هوى وعناد.. وهذا يضر أسر الإخوان معنويا ويزيدهم حنقا على المجتمع.. حيث يشعرون أن هذا المجتمع يتنكر الجميل وينسى أفضالهم.. ويتذكر ما هو سلبى فقط من اجتهاداتهم السياسية، فمتى نتعلم من القرآن العظيم الذى كان يتحرى المصداقية وهو يتحدث عن خصومه: «لَيْسُواْ سَوَاء».. ومتى نترك لغة الإثارة والتهييج والتعميم فى المسؤولية والعقاب، متى نتعلم أننا سنلتقى مرة أخرى.. «ليحب بعضنا محبة هوناً ما عسى أن يكون خصمه يوماً ما.. وأن يبغض بغيضه يوماً ما... عسى أن يكون حبيبه وصديقه يوماً ما».. ولماذا لا نترك مساحة للتقارب والتواد واللقاء بعد الخصومة؟
حزنت كثيراً على وصلات الردح الإعلامى وتشويه صورة كل السوريين الذين لجأوا إلى مصر بحجة أن بعضهم استأجره الإخوان لإلقاء القنابل.. وأنا أشك فى هذه الرواية المجهلة سنداً والملفقة موضوعاً.. إلا أننى سأفترض صحتها. فأين نحن من قول الله تعالى «أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى».. التى جاءت بشخصية المسؤولية والعقوبة قبل القانون الوضعى بـ14 قرنا من الزمان، وهل يجوز تعميم الحكم على كل السوريين جميعاً.. وإقامة المقاصل المعنوية لهم فى بلاد الغربة ليفقدوا الأمان بعد أن فقدوا الأهل والوطن؟.. وهل سنعيش فى دوامة الإقصاء والإثارة وتهييج المشاعر باستمرار؟
لقد أضيرت الحركة الإسلامية والقوى السياسية المختلفة حينما أنزلت صراعاتها السياسية إلى الشارع.. فلم يعد العقلاء والحكماء اليوم يتحكمون فيها.. أو يعيدون هذه الصراعات إلى دائرة الحكمة أو دائرة النخبة العاقلة.. فمليونيات الشارع لا تقبل الخطاب الحكيم والعاقل والحلول التى تدرأ المفاسد وتجلب المصالح. ولكنها تحب دوماً من يدغدغ عواطفها ويهيج مشاعرها ويطلب الكل، دون أن يدرى «أن من طلب كل شىء فقد كل شىء».. ومن رضى بالقليل تقديماً لمصالح الأوطان وحقناً للدماء أعطاه الله الكثير فى الدنيا والآخرة.
واليوم الكرة فى الشارع وعند أصحاب الحناجر القوية والعقول الضعيفة، حينما عاب أتباع الحسن بن على تنازله عن الخلافة لمعاوية وهو جدير بها.. وكانوا يقولون له: «يا مذل المؤمنين».. فكان يقول لهم: «لست بمذل المؤمنين ولكن جماجم العرب كانت بيدى فكرهت أن أقتلكم على الملك».. ولم يقل على الدين، ومعنى كلامه أنه لم يرد أن يصنع من جماجمهم وآهاتهم وأحزانهم وآهاتهم ويتم أطفالهم مجداً وجاهاً زائفاً وحرصاً على الحكم.. رغم جدارته بالخلافة.. هذا كلام يحتاج إلى تدبر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة