السقوط المروع للإخوان جاء نتيجة تصورهم أنهم يعرفون فى كل شىء أكثر من غيرهم، وأنهم يمتلكون يقينا متينا لا ريب فيه، ويعرفون مصلحة الشعب أكثر من الشعب نفسه، والذين سبق أن كونوا شيئا اسمه «جبهة الضمير»، تصوروا أنهم «الضمير» رغم أن الذين يبحثون عن أناس عندهم ضمير لم ينتخبوهم، والذين أصدروا أمس الأول البيان المريب «استكمال الثورة.. الآن وليس غدا»، والذى وقّع عليه عدد من الوجوه الثورية الليمونية، لا فرق بينهم وبين سابقيهم، هم فقط عبروا بحذلقة عن استعلائهم على الذين اكتشفوا صعوبة التعايش مع نظام مستبد فاشل طماع ضيق الأفق، هم حزانى على ما أسموه إقصاء اتجاه «يقصدون الإخوان ومن معهم»، ويعرفون أن الجميع ضد إقصاء أى مواطن يمشى بين الناس كمواطن، وبين جماعة سرية هى ضد المواطنة أصلا، ولا أحد يعرف مصادر تمويلها ولا نواياها. العباقرة الثوريون قرروا أن الانتخابات أولا ثم الدستور، لا تعرف كيف؟، وينظرون إلى الجيش بريبة وكأنه عدو يجب التخلص منه بسرعة، هؤلاء شعروا بالوحدة التى قربت بين الجيش والشرطة والشعب «الذى أصبح اسمه فى قاموسهم الجموع»، معظمهم من عاصرى الليمون بالطبع، وهذه المرة أباحوا لأنفسهم التحدث باسم «صالح عام ما» فى إطار الالتزام بالشعارات العامة «عيش حرية عدالة كرامة»، والتى - للأسف- يتحدث الجميع باسمها، على حد تعبير الدكتور شريف يونس الذى كتب على صفحته على الـ«فيس بوك» ردا رائعا على البيان الذى كشف عن أمراض جديدة كنا نعتقد أن الإجماع الشعبى الذى أطاح بالإخوان قد عالجه، وأنقل هنا بعضا من رد يونس: «نسى البيان فى تأكيده الجازم على أن المرحلة الانتقالية يجب أن تسير بنظام: الرئيس ثم البرلمان ثم الدستور، الإشارة إلى ما يقترحونه بشأن الدستور الذى سيحكم بموجبه الرئيس ثم البرلمان، بل كيف سيتشكل برلمان أصلا وكيفية انتخابه وسلطاته، إلى آخره؟.. هل هو دستور الإخوان؟ أم دستور 1971 القمعى أو المعدل؟ أم دستور 1954، أيقونة الدساتير الديمقراطية الذى لا يمنح الرئيس أصلا صلاحيات تُذكر؟.. أبدى البيان سببين لهذه الخطة، أولهما الإلحاح على سرعة نقل السلطة لمؤسسات منتخبة، وبشكل غير مباشر لتأكيد أن هذه ضمانة ضد الحكم العسكرى «أى لا لتمكين العسكر»، والثانى هو أن يكون الدستور متأخرا بعد زوال الاستقطاب. وماذا عن الرئيس الذى سيكون انتخابه أيضا نتيجة استقطاب، هو والبرلمان، بكل ما يعنيه ذلك من مخاطر على صياغة الدستور بشكل استقطابى، كما رأينا، والأخطر إدارة مجمل شؤون البلاد من منطلق الاستقطاب، بما تيسر من «إعلان دستورى؟، دستور سابق؟ كوكتيل؟» «لم يوضح البيان». برغم هذا الإلحاح على تسليم السلطة، يطالب البيان الرئيس الحالى المعين بأن يصدر فورا قوانين العدالة الانتقالية، وإعادة هيكلة الشرطة، ويفرج عن مسجونين، إلخ. فهل الرئيس الحالى بوضعه يعتبر عند الموقعين رئيسا معبرا عن الثورة، أم عقبة أمامها يجب تنحيته بأسرع ما يمكن؟، ولا أدرى، بالمناسبة، لماذا الاهتمام فى البيان بالتأكيد على أن إعادة هيكلة الشرطة يجب أن تكون وفقا لمشاريع قوانين اقترحتها «مبادرة شرطة لشعب مصر» تحديدا؟! ما وجه الإلزام هنا؟! وهل فعلا جميع الموقعين مدركون لتميز خاص واستثنائى لهذه المبادرة؟!
هذا الختام مناسب تماما لنقد البيان فى تقديرى، فالروح «التوافقية» القائمة على إنكار أو تجاهل أو «إعادة صياغة» طبيعة الأزمة السياسية المحتدمة على هذا النحو، لا تنطلق فقط من موقف «وسطى» على غرار «مصر القوية» مثلا، بل أيضا وأساسا من روح «حقوق إنسان قانونية» محلقة فى سماء مبادئها الخاصة وأنشطتها. وكان اجتماعهما معا هو الذى أثمر هذا البيان، بصرف النظر عمن قاموا بصياغته.