د. نعمان جلال

تركيا والأوضاع فى مصر والبحث عن دور

الجمعة، 19 يوليو 2013 03:19 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تشعر تركيا، وبخاصة منذ تولى حزب الحرية والتنمية والسلطة، بحالة من الضياع السياسى الدولى وضياع الهوية، فهى تقع على الحدود الشرقية لأوروبا والحدود الغربية لآسيا، وهى كانت قوة عظمى فى عهد الدولة العثمانية التى أطلق عليها فى السنوات الأخيرة من عمرها، أى منذ أواخر القرن التاسع عشر رجل أوربا المريض، ثم جاءت الحركة الكمالية لتغير من انتماء الدولة التركية من ثلاث زوايا، الأولى إنهاء علاقاتها بالتاريخ العثمانى وإلغاء الخلافة العثمانية، وثانيها الارتماء فى حضن أوربا، وثالثها قطع كل صلات ثقافية بالمنطقة العربية، وبخاصة اللغة وأسلوب كتاباتها فأعادت كتابة اللغة التركية بحروف لاتينية بدلاً من الحروف العربية، وأعلنت الثورة الكمالية التوجه السياسى العلمانى الذى يفصل بين الدين والدولة اقتداء بالتطور الأوربى كما لو كان الدين هو سبب تخلفها وضعفها، ودخلت فى عملية من الصراع الذاتى الداخلى بين جذور تركيا الإسلامية وبين تطلعاتها الأوربية، ومن ثم فقدت تركيا هويتها القديمة ولم تستطع أن تعثر على هوية جديدة لان أوربا بحكم تراثها تنظر نظرة ملؤها الشك والريبة تجاه الجذور الإسلامية لتركيا، ولكن السياسة الأوروبية قامت على أساس المصلحة الإستراتيجية، ومن ثم سمحت لتركيا لأهمية موقعها الاستراتيجى فى مواجهة الاتحاد السوفيتى السابق، بالانضمام لحلف الأطلنطى، واُستخدمت كجندى مشاة فى هذا الملف عند الضرورة من ناحية، ومكاناً للمراقبة والاستطلاع على الاتحاد السوفيتى وأوربا الشرقية السوفيتية، واسيا الوسطى السوفيتية من ناحية أخرى ولكن لم يسمح لتركيا بالانضمام للاتحاد الأوروبى رغم مساعيها عبر السنين بما فى ذلك مساعى اردوغان الذى كرر مراراً وتكراراً رغبته فى الانضمام للاتحاد الأوربى وادخل العديد من الإصلاحات حتى يرضى عنه الاتحاد الأوروبى حافظت تركيا على علاقات إستراتيجية وثيقة مع إسرائيل.

ظلت تركيا حائرة حيث يهاجر مواطنوها للبحث عن عمل فى ألمانيا، وترتبط بالغرب بمنحها إياه قواعد عسكرية على أراضيها فى إطار حلف الناتو، ولكن يتم كبح طموحاتها فى قبرص، وبلغ هذا التعامل الدولى الأوروبى مع تركيا اشد مظاهره فى ضم قبرص، ماعدا الجزء التركى، للاتحاد الأوربى، وما عدا تركيا بالطبع، واحتضن الاتحاد الأوربى كل دول أوربا الشرقية بعد تحررها من الاتحاد السوفيتى الذى انهار عام 1991 وتراجعت القيمة الإستراتيجية لتركيا.

وعندما نجح حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب اردوغان فى الوصول للسلطة فاتجه نحو الإصلاح الداخلى ووضع حداً للفساد لعل أوربا ترضى عنه دون جدوى وبحثت تركيا مجددا عن جذورها، فاتجه للشرق العربى الإسلامى للاستناد إليه لتعزيز مسعاها نحو الاتحاد الأوروبى، وعندما استطاع حزب العدالة والتنمية تحقيق تقدم اقتصادى عادت إليه الاعتداد الزائد بالنفس، وسعت لتعزيز دورها فاحتضنت منظمة المؤتمر الإسلامى وعقدت قمة إسلامية لديها، ورشحت احد مفكريها أكمل الدين إحسان اوغلو ليكون أمينا عاما للمنظمة التى أصبح اسمها منظمة التعاون الإسلامى، وتدهورت علاقاتها بإسرائيل لسعيها للزعامة فى قضية فلسطين، وأرسلت أسطول مساعدات بقيادة تركية، فلقيت السفينة التركية مرمره إهانة بقتل 9 من أفرادها بهجوم إسرائيلى عندما اقتربت من المياه الإسرائيلية، كما انسحب اردوغان من احد جلسات مؤتمر دافوس، عندما عقب شيمون بيريز فى جلسة على أقوال اردوغان ونقده للسياسة الإسرائيلية فى التعامل مع الفلسطينيين، ورغم أن احتجاج اردوغان وانسحابه كان امرأ شكليا فانه بهذه الحركة اكتسب شعبية لدى العرب.

ونفس الشىء حدث فى الخلاف بين تركيا وإيران بعد أن كانوا حلفاء، وكان محور الخلاف هو بحث تركيا وإيران عن ادوار متنافسة، وهذا يعكس الصراع التاريخى بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية وطموحات كل منها تجاه العالم العربى الذى كان خاضعا للاحتلال العثمانى باسم الخلافة الإسلامية التى كانت بريئة من ذلك، لان تركيا العثمانية لم تكن خلافة راشدة، وسعى اردوغان الذى أطلق عليه شعبيا فى تركيا لقب السلطان، لأنه كان يسعى لإحياء الخلافة العثمانية ليجد فيها مصدر قوة، وعزز علاقاته مع الدول العربية خاصة دول الخليج العربى سعيا للحصول على الاستثمارات والتجارة وتقديم خدمات أمنية فى إطار مبادرة اسطنبول عام 2004 المرتبطة بحلف الناتو.

كما توثقت علاقات تركيا بمصر فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك الذى لعب دوراً فى الوساطة بين تركيا وسوريا عندما تأزمت وكادت تحدث اشتباكات على الحدود بينهما، وانقلب ضد مبارك بحدوث ثورة 25 يناير التى وجدت تركيا فيها قوة إسلامية يمكنها قيادتها، وهنا وقع الخلاف بينها وبين مصر الإخوانية، وهو خلاف فى إطار طموحات المشروع الإسلامى الذى تطلعت إليه قوى ثلاث هى مصر وتركيا وإيران. وهو مشروع واجه نكبة بسقوط حكم الإخوان فى مصر، ومن هنا سعى كل من تركيا وإيران إلى لملمة الشتات، وكل منها اعتمدت على مصادر قوتها، حيث كانت تركيا أكثر قبولا عربيا، وأكثر قوة، وأكثر قبولا للتحالف مع الغرب، وهاجمت تركيا نظام ثورة 30 يونيه 2013 لطموحاتها واستضافت مؤتمرا للحركة الإخوانية الإسلامية العالمية، وهى حركة ضعيفة ولا قوة لها، يحركها إخوان يعيشون مثل تركيا على هامش أوربا ومن ناحية أخرى كان يتم استخدامهم بوعى أو بغير وعى للمصلحة الغربية فى دول العالم الإسلامى مما احدث فرقة بين المذاهب الإسلامية وأيضا مع المسيحيين ومن ثم قدموا خدمة جليلة لأوربا لإعادة سيطرتها على المنطقة بدعوى حماية الأقليات ومحاربة الإرهاب الإسلامى.

وصفوة القول إن الموقف التركى تجاه التجمع الإسلامى الإخوانى الذى انعقد فى اسطنبول فى 13/7/2013 كان مدفوعاً بثلاثة اعتبارات هى:

1. الخوف من اقتداء الجيش التركى بالجيش المصرى للانضمام لصفوف جماهير الشعب المعارضة للحكم العثمانى الموسوم بالسمة الإسلامية.

2. القلق والإحباط التركى من إخفاق تجربة الإخوان فى مصر واحتمال انتقال عدواها لتركيا خاصة بعد تظاهرات منطقة "تقسيم" وبروز موجة من النقد الشديد لسياسات اردوغان ومطالبته بالاستقالة.


3. طموح اردوغان للسلطة وسعيه لتغيير الدستور لإعطاء صلاحيات للرئيس وان يترشح رئيسا للدولة على غرار نموذج فلاديمير بوتين فى روسيا.

أما القلق الإيرانى فهو يتماثل مع مسببات القلق التركى فى الإحباط من فشل التجربة الإخوانية وانتقال عدواها لإيران خاصة أنها مثلها فى تركيز السلطة الحقيقية فى يد المرشد والإخفاق الاقتصادى الإيرانى مثل الإخفاق الاقتصادى المصرى فى عهد الإخوان، ولكن ربما كانت إيران أكثر ذكاء فى استخدام الرئيس المعتدل حسن روحانى لإصلاح الجسور مع دول مجلس التعاون الخليجى على غرار ما فعل خاتمى ورافسنجانى، وكذلك تحسين صورة إيران الدولية بخصوص برنامجها النووى، وموقفها فى الأزمة فى سوريا.

ولقد حققت إيران نجاحا فى الحفاظ على النظام السورى ومن ثم حمت أهم قاعدة خارجية لها رغم كل التحديات والتكلفة التى تحملتها وساعدتها فى ذلك روسيا لصراعها الاستراتيجى مع الولايات المتحدة، المترددة فى سياساتها خلال الفترة الثانية من حكم أوباما، بصورة تذكرنا بالانكماش الأمريكى الدولى بعد إخفاقها فى حرب فيتنام، ولذلك تلجأ أمريكا لاستخدام القوة الناعمة لإحداث ما تسعى إليه من تغيير فى الدول العربية لتحقيق مصالحها وهكذا تعيش المنطقة العربية فى حالة صراع دولى بإبعاده الإستراتيجية وطموحات قواه الإقليمية.

• باحث فى الدراسات الإستراتيجية الدولية








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة